عدن.. تتحول فيها الأسماء إلى تُهم مميتة… وهنا أتضامن مع مأساة البروفيسور علوان



أ.د/

الكاتب: أ.د/ عبدالعزيز صالح بن حبتور

تاريخ كتابة المقال : Tue , 26 Jul ,2016

عدد المشاهدات ( 190 )



26 يوليو 2016م

المصدر: رأي اليوم

 

سأقتبس عبارات سريعة للبروفيسور/ سعيد علوان وردت على صفحته بالفيسبوك والمنشورة بتاريخ 22 يوليو 2016م، الكلمات والحروف الآتية كما حررها بالصفحة فيقول: (في عدن عايش من 60 عام، مـر الإنجليز والحزب وعفاش والحوثي ولم تمس كراماتي، وماتت في زمن مقاوماتي… قبل أسبوع نهبوا ممتلكاتي في نقطة صبر علماً بأني أكاديمي وأستاذ طبيب مُنذ العام 1980م و بالبطاقة الشخصية من مواليد التواهي 1950م … السبب سعيد علوان… (علوان) اسم شمالي… وكـرر الضـابط روح راجع "شلال"… 5000 ريال سعودي… نُهبت…)، إلى هنا وتنتهي كلمات سعيد علوان المُرة.

 

كلما ساءني موقف سخيف وصادم صادر عن مجموعة لا تقيم للأخلاق وزناً ولا قيمةً وتدعي أنها (مقاومة) وتدعي أنها تحافظ على (النظام) الذي يحترم حقوق وكرامة المواطنين في عدن، وما أكثر الأخبار المُحزنة التي ترد إلينا تباعاً في كل لحظة من لحظات زمن مدينة عدن وضواحيها بعد اجتياحها البربري الوحشي من قِبَل الغُزاة بالتعاون مع بلاطجتهم ومرتزقتهم وعملائهم وإرهابيهم، تذكرت قول أمير الشعراء/ أحمد شوقي رحمة الله عليه:

 

 إنما الأمم الأخلاق ما بقيت … فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا

صلاح أمرك للأخلاق مرجعه … فقوّم النفس بالأخلاق تستقم

إذا أصيب القوم في أخلاقهم … فأقم عليهم مأتماً وعويلاً

 

ما حدث للبروفيسور علوان هي واقعة متكررة في كل صباحات و مساءات عدن في مشهدها الراهن الحزين وهي ليست حالة فردية ولم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة، لأنها سلوكيات ربما قد أصبحت متجذرة في وعي وسلوك وتربية العديد من (رجالات الحراكيش) الذين حولتهم الأحداث والعدوان والاحتلال إلى (قادة ومسؤولين) يقودون مؤسسات في محافظات لديها تقاليد وتراث قديم في المعاملات والتعامل والإدارة والأمن والنظام، لم تستطع هذه (الشلل) أن تواكبها أو تستوعب ثراء ثقافتها، وتريد أن تتعامل مع أهل عدن معاملة الراعي لقطيع الأغنام بحكم التنشئة في قراهم وجبالهم، وهذا يتناقض كلياً مع طبيعة الحياة وتطورها في مدينة أطلق عليها ذات يوم بـ (بندر عدن)، هؤلاء القوم من (رجالات الحراكيش) أكانوا المنفذين أو من أصدر الأمر يفتقرون إلى نعمة الأخلاق والتربية السوية ويتوهمون أنهم سيعيدون عجلة التاريخ إلى الوراء لحدثين كان لآبائهم بصمات فيها هما تاريخي يونيو 1969م حينما انقلبوا على الرئيس الشهيد/ قحطان محمد الشعبي، وفي أحداث 13 يناير 1986م حينما (انتصروا) على جناح الرئيس/ علي ناصر محمد، وليتذكر معي هذان التاريخان اللذان لوّثا وسمّما تاريخ جنوب اليمن كله بظاهرة التعصب والولاء المناطقي والقبلي المميت، لكن للتذكير فحسب بأن دورة التاريخ قد دارت دورة كاملة ويستحيل اعتساف منطق الجغرافيا والتاريخ الوطنيين بعقليات قروية مناطقية مريضة، ومن دروس وعِبر التاريخ نتعلم لا نتألم فحسب.

 

من خلال قراءة منشور البروفسور/ علوان يستطيع الحُر منا أن يستشف معنى أن يقسم مراحل حياته إلى أربعة مراحل وخامسها في زمن (المقاولة أو المقاومة):

  • إنه عاش في زمن الإستعمار ولكنه كإنسان لم يحترف السياسة فكانت كرامته مصانة.
  • عاش في زمن الجبهة القومية وبعدها الحزب الإشتراكي اليمني ولأنه لم ينغمس بالسياسة عاش بكرامة.
  • عاش في زمن الوحدة اليمنية المباركة برئاسة الرئيس السابق/ علي عبدالله صالح عفاش الحميري السبئي وعاش أيضاً بكرامة.
  • عاش في زمن الجيش واللجان الشعبية وحركة أنصار الله بقيادة السيد/ عبدالملك الحوثي وعاش بكرامة واحترام.

واختتم حكايته بالتعبير عن خامس مرحلة يعيش فيها الآن وسماها زمن (المقاومة) وفيها اُنتهكت كرامته وشخصيته عند حاجز تفتيش في منطقة صبر في محافظة لحج.

 

 هذا حادث مؤلم جداً وقع لشخصيةٍ عامةٍ في عدن ولمن لا يعرفه إليكم التعريف الآتي:

فالبروفيسور/ سعيد علوان عرفه المواطن اليمني الساكن بعدن كطبيب اختصاصي ماهر، يتقن حِرفة التدريس الأكاديمي باقتدار، ويتفانى لخدمة مرضاه بشكل يومي داخل أجنحة المستشفى وفي عيادات المستشفى المركزي بمستشفى الجمهورية التعليمي، قليل الحديث في الأمور التي لا تعنيه، ينفق جُل وقته في خدمة المحتاجين من مرضاه للإشراف والاستشارة الطبية والعلاج، اتصفت شخصيته بإنسانية الطبيب المخلص المتفاني لخدمة الناس وبلا مقابل في مُعظم الحالات، عاشق لمهنته حتى النخاع وألغى فكرة أن يفتح عيادةٍ طبيةٍ خاصة، قانع بما رزقه الله من أجرٍ ومرتب الوظيفة العامة كأستاذ بجامعة عدن، مشرف على جناح قسم (غَسيل الكُلى) بمستشفى الجمهورية وخارج نطاق مهامه، تطوعاً وخدمةً إنسانيةً لمرضاه وتدريب طلابه، أنجز العديد من الكتب العلمية الاختصاصية.

 

 هذا هو سعيد علوان الإنسان الرائع الذي طلب منه (العسكري الأجير) أن يتابع (شلال) لتبرئة ذاته من جريمة أن اسمه (علوان الشمالي)، هذا الاسم الشمالي الذي يروج لكراهيته مُطبلي الحراكيش في عدد من مديريات المحافظات الجنوبية فحسب، لأن عدن والجنوب أصبحت مُحررة من كل الشماليين…!!!.

 

إن قيمة ساعة واحدة صَرفها ويصرفها البروفيسور/ سعيد علوان على مريض بالمستشفى أو في قاعة المحاضرات أو السيمنارات بالجامعة تساوي كل الساعات التي صرفها (كل هؤلاء الجنود وقياداتهم) إلى سابع جد، أقولها بثقة عالية وصدق يقين، وموقف ورأي لن يتزحزح مهما توالت السنين، أقولها وأنا أتضامن مع البروفيسور، وأوجه الإدانة لكل هؤلاء المُرتزقة الذين عملوا تحت راية الإحتلال بثمن بخص ورخيص.

 

وهنا أود أسجل البلاغ الجنائي القانوني بهذه الجريمة إلى الجهات المختصة في النيابة العامة في أقرب مديرية ومحافظة لتسجيل هذا البلاغ باعتبارها جريمة جنائية، وجمع كافة الاستدلالات لملف الجريمة وتقديمها للمحكمة بعد أن تضع الحرب أوزارها، ولن تسقط هذه وغيرها من الجرائم المُرتكبة بحق المواطنين اليمنيين مهما اختلفت القضايا وتنوعت الأساليب.

 

سعيد علوان نموذج لحالات عديدة ومماثلة تعرضت لمثل ذلك الفعل المشين، بالأمس استوقفوا العشرات والمئات والآلاف في شوارع عدن من أبناء المحافظات الشمالية، وتعاملوا معهم بسلوك شاذ ومنافي للأخلاق والروح والطبيعة اليمنية العامة، اليمنيون من كل محافظات الجمهورية يستغربون فعلٍ غريب كهذا وأدانوه بأشـد العبارات، شاهدوا عبر العديد من شبكات التواصل الإجتماعي مشهد (رجال أمن وجنود جيش يلبسون زياً عسكرياً مدججين بالأسلحة) يُرغمون ويأمرون المواطنين اليمنيين البسطاء من أبناء محافظات مثل تعز، وإب، والحديدة وريمه بالصعود قسراً على ظهر الحافلات والباصات والهايلكسات والقاطرات لتهجيرهم من وطنهم عدن إلى وطنهم في بقية المحافظات اليمنية، هذا هو السلوك المُخزي الذي ظهر به (القادة الحراكيين الجنوبيون) وأماطوا اللثام عن هوياتهم الحقيقية بعد الإحتلال المباشر للمحافظات الجنوبية والشرقية من قبل ثلاثي العدوان (المملكة السعودية، ومشيخة الإمارات وأموال إمارة قطر).

 

الخلاصة من ما سلف:

تحولت عدن في الأشهر الاخيرة إلى غابة موحشـة تنتشر فيها الذئاب القاتلة …

  • ألم نتابع معاً حوادث قتل واغتيال رجال الأمن غير الشركاء في أجهزة وإدارات دول العدوان؟.
  • ألم يتم اغتيال علماء المسلمين من كل المذاهب والمدارس الإسلامية؟.
  • ألم يتم اغتيال رجال المال والأعمال والتنكيل بعدد منهم ونهب ممتلكاتهم في هذه المدينة؟.
  • ألم يتم سحل وإعدام الأفراد المخالفين لهم بالموقف وبالرأي؟.
  • ألم تنتشر وتزداد الفرق الإرهابية بالمفخخات البشرية وبالسيارات القاتلة؟.
  • ألم يتحول النهب والسرقة والسطو إلى ظاهرة متكررة في عدن بعد الإحتلال؟.

 

 لقد حولوا هؤلاء الوحوش مدينة عدن في زمن الإحتلال إلى كل ما أشرنا اليه، وفقط الأبواق المُشتراه والأقلام الرخيصة وعملاء الإحتلال هم من يزين صورة الإحتلال وأعوانه، ونذكرهم بأن أرشيف ذاكرة الشعوب لن تنسى لهؤلاء قُبحهم وشواذ تصرفهم وسيكونون عُرضة لإدانة أخلاقية قبل أن تكون إدانة جنائية وسياسية من قبل الشعب اليمني في عدن والمحافظات الجنوبية والشرقية تحديداً وفي عموم اليمن، وعودة إلى شاعر العرب الأصيل أحمد شوقي الذي أعاد إلى الأذهان معنى ومدلول الأخلاق الذي يوجه بشكل سليم  بوصلة توجه الأمم والجماعات والأحزاب ويذكر الحراكيش بانه وبدون القيم والأخلاق لامحالة بانهم مُنقرضون سياسياً و اجتماعياً في اليمن السعيد، والله أعلم منا جميعاً.

 

 

﴿وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ﴾

 

 

التعليقات ( 0 )

لا يوجد تعليقات على هذا الموضوع

اضافة تعليق جديد