
المؤرخ / الأنباري عالِم وعَلم مرموق عروبي إسلامي خسرناه
بقلم دولة البروفيسور عبدالعزيز صالح بن حبتور
المؤرخ / الأنباري عالِم وعَلم مرموق عروبي إسلامي خسرناه
تعرفت على البروفيسور / عبدالرزاق علي الأنباري في منتصف التسعينات من القرن العشرين حينما قدم إلى اليمن وإلى جامعة عدن ليعمل بها كأستاذ محاضر لمساقات التاريخ الوسيط والإسلامي في كليات التربية في جامعة عدن ، وليشرف على عدد من أطاريح الماجستير والدكتوراه في الأقسام العلمية للجامعة.
تعرفت عليه بحكم اختصاصي القيادي يوم ذاك كنائب لرئيس جامعة عدن للشؤون المالية والإدارية ، وكان تعاملنا شبه أسبوعي ، وهو كغيره من المتعاقدين العرب يتابعون شؤون ملفات عقودهم وغيرها ، ومن هنا توثقت العلاقة من خلال حواراتنا السياسية والفكرية والتاريخية وتعمق علاقاتنا خارج العمل من خلال نشاطنا المشترك في منظمة غير حكومية اشتركنا في تأسيسها وهي جمعية رابطة أصدقاء جامعة الدول العربية في اليمن ، وكنا نأمل يوم ذاك بأن تقوم مؤسسة جامعة الدول العربية في الدفاع المشروع والشجاع عن الدول العربية التي تعرضت للحصار وللظيم وللظلم مثل العراق الشقيق ، وليبيا الشقيقة ولبنان المقاومة والجزائر الثآئرة ، بالإضافة إلى قضية الأمة العربية المركزية ، وهي فلسطين المحتلة من قبل الكيان الصهيوني الغاصب لأرض الشعب الفلسطيني منذ العام 1947م .
وكنا نعمل بجد وإجتهاد وصبر كبير مع آخرين من الأشقاء العرب واليمنيين ، أتذكر منهم :
البروفيسور / صالح علي عمر باصره
السفير / عبدالوكيل بن إسماعيل بن محي الدين السروري
البروفيسور / مبارك حسن الخليفة من السودان الشقيق
البروفيسور / ماهر القيسي من العراق الشقيق
البروفسور / عبدالرزاق الأنباري من العراق الشقيق
البروفيسور / ناصر علي ناصر الكازمي
البروفيسور / أحمد قائد الصائدي
الأخ / سالمين صالح بن مخاشن
الدكتور / محمد رجب ابو رجب من فلسطين ، وآخرين لم تعد تسعفني الذاكرة بتذكر أسمائهم.
عملنا معاً عبر نافذة ونشاط هذه الجمعية الفتية يوم ذاك ، عبر مهرجانات تضامنية مع أقطارنا العربية التي تحتاج إلى مثل ذلك التضامن العروبي في ظل إزدحام المهام الشخصية والرسمية ، وكان نشاطنا التضامني شبه الأسبوعي في كليات الجامعات الحكومية والأهلية والمدارس والأندية الثقافية والرياضية .
ومن بين أنشطتنا الكبيرة هو أن جمعنا أزيد من مليوني قلم رصاص لأطفال العراق الشقيق ، رداً على القرار الأمريكي بمنع إدخال أقلام الرصاص لأطفال مدارس العراق الشقيق ، بحجة أن مادة الرصاص تدخل ضمن مكونان أسلحة الدمار التي أنتجتها العراق في وجه المشاريع الصهيونية العراقية .
وقمنا بزيارات شعبية إلى جمهورية العراق ، والأردن و الجمهورية العربية السورية ودولة لبنان نتابع القضية التضامنية من أجل رفع الحصار الظالم على أهلنا في العراق وليبيا ومناصرة للشعب الفلسطيني ، وكانت جميعها زيارات شعبية ، تضامنية ، ثقافية ، وسياسية ناجحة .
نعود إلى صديقنا العزيز الفقيد البروفيسور / الأنباري الذي لعب دوراً قومياً وثقافياً كبيراً في نشاطنا وعملنا من خلال تنظيم الندوات والورش العلمية التخصصية لفضح وتعرية المشروع الصهيوني الأمريكي الأطلسي في المنطقة العربية وعالمنا الإسلامي ، وكان يقدم مع عدد من الزملاء البروفيسورات العديد من الأبحاث والدراسات والمقالات العلمية الرصينة في جميع تلك الندوات التضامنية العروبية.
وعلى الصعيد العلمي المنهجي في كليات جامعة عدن ساهم البروفيسور / الأنباري في إنضاج العديد من الدراسات الإختصاصية المتصلة بالدراسات العليا بدءً من القسم العلمي وصولاً إلى كليات الجامعة ، وإسهاماته في طرائق البحث العلمي وإدارة الورش العلمية والندوات المنهجية وفي إعداد أطاريح الرسائل العلمية للماجستير والدكتوراه.
وبحكم خبرته الأكاديمية الثرية حينما كان استاذاً مرموقاً في جامعة بغداد العراقية العريقة ، ساهم مع فريق من الخبراء الأكاديميين من الجامعات العراقية و جامعة عدن وجامعة حضرموت في إعداد الخطط العلمية الدقيقة لتطوير أساليب الكتابة وتطورها للكتب الجامعية الرصينة في عالمنا العربي.
لقد كان المفكر العملاق / الأنباري شخصية ثقافية متنوعة القدرات ومستوعب بعمق لتاريخ أمتنا الإسلامية والعربية ، وهو يشكل بحق خزانة مكتبية تراثية غزيرة وثرية متجولة ومتحركة من العلوم التاريخية والثقافية والإنسانية ، وقد ألّف العديد من الكتب المرجعية الرصينة التي لا يستغني عنها أي باحث و باحثة في الدراسات العليا ، وتركها أمانة للتاريخ ومصدراً للمعرفة وفكراً يضيء الدروب العلمية لأجيال طلاب العلم في حقل التاريخ والمعرفة.
إن البروفيسور / الأنباري عالم نآبه وغزير المعرف الثقافية والإختصاصية ولكنه في ذات الوقت شديد التواضع والبساطة في تعامله مع طلاب العلم ومع من يقدم إليه عدد من الإستفسارات في مجال اختصاصه أو غيرها من العلوم ، وتجده مقرب من طلابه وطالباته وزملائه الأساتذة .
ينتمي البروفيسور الأنباري إلى أسرة عراقية عربية مثقفة ، فأخية الأكبر الدكتور / حسن علي الأنباري يعيش في الأردن الشقيق ويعمل كمحاضر في العلوم السياسية في المعهد الدبلوماسي في عمان عاصمة المملكة الأردنية الهاشمية ، وشقيقة الذي يكبره بسنوات الدكتور/ عبد الأمير علي الأنباري كان يشغل منصب الممثل الدائم لجمهورية العراق حتى لحظة الإحتلال والغزو الغاشم الأمريكي / البريطاني / الإسباني في العام 2003م.
إنها اسرة عروبية عراقية مثقفة متميزة ، بها عدد كبير من المثقفين والعلماء والمفكرين والسياسيين ، وهذا حال العديد من الأسر العراقية النابهة التي ركزت على قضايا العلم والمعرفة لتخليد ذكراها .
صديقنا العزيز المفكر / الأنباري انقطعت عني أخباره منذُ أن بدء العدوان الوحشي السعودي / الإماراتي على الجمهورية اليمنية ، ومع انشغال الفرد منا في زمن حروب العدوان غابت عني أسماء كثيره عزيزة على نفسي وعقلي وفؤادي وهي هامة جداً في علاقاتي وفي مسيرتي العملية المهنية ، وقبل عام تقريباً عاودت البحث بجدية عالية عن أصدقائي وأحبابي الذين فقدت الصلة بهم ، واستعنت كثيراً بالأصدقاء والمعاريف الأحياء ، وعرفت منهم بأن صديقي عبدالرزاق علي الأنباري قد توفاه الأجل في بغداد عاصمة الرافدين والحضارات الإسلامية العروبية ، حزنت كثيراً لفراقه ، وتألمت لوجع ذلك الفراق الأبدي ، ولعنت كثيراً مُشعلي الحروب على شعوبنا العربية والإسلامية من الخونة والعملاء الذين ينفذون المشاريع الصهيونية الأمريكية القذرة في أقطارنا العربية التواقة لمرحلة السلم والأمان والسلام والبناء.
تقبل الله فقيدنا الأنباري بواسع رحمته ، وأسكنه فسيح جناته الواسعة ، وألهم أهله وذويه وطلآبه وأحبابه الصبر والسلوان ، إنا لله وإنا إليه من راجعون ، ، بسم الله الرحمن الرحيم
((يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي))
صدق الله العظيم.
الخلاصة :
كان الفقيد الأنباري رحمة الله عليه ، أحد علماء ومفكري الأمة العربية ، وأنتج خلال مسيرته العلمية والمهنية في الجامعات العربية العديد من الكتب الجامعية المرجعية والمراجع التاريخية والمقالات البحثية ، جعلها الله في ميزان حسناته ، وجعله الله بها خالداً مخلداً عبر حروف النور المتوهجة التي صنع وانجز بها منجزاته العلمية الثقافية والإنسانية .
[وَفَوَقَ كُلْ ذِيْ عِلْمٍ عَلَيَم]
أ.د/ عبدالعزيز صالح بن حبتور
رئيس مجلس وزراء تصريف الأعمال في الجمهورية اليمنية / صنعاء
الإثنين : 19/ فبراير/ 2024م