
حروف موجوعة في رحيل الإعلامي الجميل / حسن عبدالوارث
بقلم دولة البروفيسور عبدالعزيز صالح بن حبتور
حروف موجوعة في رحيل الإعلامي الجميل / حسن عبدالوارث
ودعت الصحافة اليمنية المكتوبة ، وبحزن شديد لفراق / حسن عبدالوارث احد ابرز صحفييها النشطين في مجال كتابة المقالة العمودية الناقدة الجميلة ، في يوم حزين هو يوم لأربعاء، 22 ربيع الأول 1446هـ الموافق 25 سبتمبر 2024م ، وودعته الصحافة وهي في امس الحاجة لمقالاته وعموده وافكاره التي سطرها في الصحافة اليمنية لأربعة عقود خلت.
عرفته كاتباً جميلاً رشيقاً قبل ان التقيه واتحدث معه وجه لوجه حينما كنت طالباً في المرحلة الجامعية ، وكنت كغيري من الشباب معجباً بجرائة كتاباته ونقده الشجاع للأوضاع المعيشية والحياتية للمواطنين يوم ذاك ، وللتذكير فحسب ( وللتاريخ ايضا ) كانت الاوضاع المعيشية للناس في منتصف السبعينات من القرن العشرين ، اوضاع مُزرية وبائسه وفقيرة ، اي في زمن النضال والصراع الطبقي ذي التوجه الاشتراكي كما كانت تُسمى ، والحياة المعيشية للناس كانت صعبه جدا جدا جدا .
كيف تذكر و تصور حياة الفقراء والمعدمين في الريف والمدينة اليمنية الجنوبية يوم ذاك ؟ ، وقد كان منظروا ومطبلوا الحزب الاشتراكي وإعلامييهم يبرّروا وبشكل علني وبشجاعة غريبة لظاهر الفقر والبؤس والحرمان ، وبانها ظاهرة ضرورية ، وضرورة موضوعية في مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية وتجربة التوجه الاشتراكي في اليمن الديمقراطية ، كان الجميع منا يجاهر باعتزاز بظاهرة الفقر والجوع للكادحين المعدمين في جنوب اليمن ، منطلقين من القاعدة المعروفة بان توزيع الظلم والفقر بعدل وانصاف للجميع هي العدالة بعينها .
في ظلال هذه الأجواء ( الثورية ) المجنونة برز ابداع وقدرات الشاب الصحفي حسن عبدالوارث ككاتب موهوب ، وبقلم رشيق ومقالات جاذبة للقراء ، وكنت واحداً من هؤلاء.
وحينما بدء نشاطه الصحفي ككاتب شاب مبتدء وموهوب من أحد احياء ضواحي مدينة عدن الفقيرة ، وبروزه ككاتب صحفي له مستقبل واعد ، لكنه و في منتصف الثمانينات من القرن العشرين ، صادف بدء الصراع الدوري بين قيادات الحزب الاشتراكي المتوارث من زمن تاريخ الجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني المحتل ، والذي عُرف عن قياداته النزقة انهم يديرون صراعهم الدموي كل خمس سنوات في المتوسط وحينها يعلنون عن صراع عنيف في ما بين اجنحته المتنافسة على السلطة ، ويخترعون لها مسميات وعناوين ما انزل الله بها من سلطان مثل [ محاربة بقايا ركائز الاستعمار ، واليمين المتطرف ، واليمين الانتهازي ، واليمين الانتهازي الطفيلي ، وبقايا البرجوازية وغيرها من المسميات المستوردة يومها من دفاتر وكراسات ادبيات تروتسكي ، وبوخارين، وستالين ، ولينين ولين بياو وغيرهم ].
اصطف صديقنا حسن عبدالوارث رحمة الله عليه ، وبحكم التأثير الجهوي بصلابة كمدافع شرس عن التيار السياسي والحزبي لتيار ( فتاح / عنتر ) وكانون يسمونهم آنذاك بتيار الطغمة في الحزب الاشتراكي اليمني المنتصر عسكرياً ، وكان بروزه بتشجيع ودعم من قيادات الحزب الاشتراكي آنذاك ، وهاجم بكل ما أسعفته مفرداته الإعلامية الثرية ضد التيار المنهزم من الحزب الاشتراكي في 13 يناير 1986 م ، اي ضد الزمره وهم تيار ( علي ناصر / باذيب / انيس ).
لم يشفع له موقفه المبدئي من التيار المنتصر في الحزب آنذاك وربما استغلوا مهارته الصحفية لحين ، وفي منتصف الطريق تركوه وحيداً شارد الذهن والبصيرة حتي من حصوله على ابسط الحقوق الاعتيادية له كصحفيّ منافح عن قناعاته التي آمن بها واعتنقها كعقيدة فلسفية منهجية له ولأصدقائه المقربين ولأسرته العدنية الصغيرة ، فهو الشاب العدني المدني البسيط الذي لا يتكئ على جماعة قبلية متوحشه او شللية انتهازية او مناطقية عفنة او دينية ضيقة ، وهنا تاه الرجل وفقد البوصلة في تضاريس اليمن الوعره ووصل حد الإحباط النفسي والوجودي الذي عبر عنه في اكثر المقالات انزعاجاً من رفاقه الذين تركوه في منتصف الطريق وبحثوا في مصالحهم الشخصية والخاصة.
جمعتنا لقآت عده في عدن لكن كان لقائي الأخير به هنا في العاصمة صنعاء وزارني بتنسيق إلى مكتبي وتحدثنا كثيرا عن هموم اليمن بتاريخه العظيم وعن العدوان السعودي الإماراتي والحصار المفروض على المدن اليمنية ، فالرجل وطني يمني بامتياز ، قد عرضت عليه مغادرة صنعاء إلى دول الجوار ورفض لانه مؤمن بالوطن اليمني حرا أبياً مهما تكالبت عليه النوائب والأعداء ، وعرضت عليه أمور عده ولكنه فضل البقاء في مدينته التاريخية آزال التي تغنى بها كثيراً وبتوئمها عدن طويلا طويلا طويلاً .
بسم الله الرحمن الرحيم ( ( يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي)) صدق الله العظيم.
رحم الله صديقنا العزيز والكاتب الإعلامي الجميل / حسن عبدالوارث ، بواسع رحمته ومغفرته ، وأسكنه الله جنان جناته الواسعة ، والهم الله اهله وذويه ومحبيه وانصاره ومريديه الصبر والسلوان ، وانا لله وانا اليه من الراجعون.
وفوق كل ذي عليم عليم
أ.د/ عبدالعزيز صالح بن حبتور
عضو المجلس السياسي الأعلى في الجمهورية اليمنية / صنعاء
كُتبت المرثية في يوم السبت / 12 / اكتوبر / 2024 م