
الشهيد الحاج صالح بن أحمد بن يسلم بن حبتور (أبو محسن)
بقلم الولد القاضي/أحمد صالح أحمد يسلم بن حبتور
كان الوقت أصيلاً حين كنت في طريق عودتي من المدرسة الغربية إلى امي وابي .. كنت في الصف الثاني الابتدائي حينها،، وقد مضت من سنين عمري سبعاً في غالب الظن ،مشيت على رؤية وبرويّة حتى وصلت إلى دكان أبي (والدكان كانت تسمية تطلق على ما يعرف اليوم بالبقالة أو ميني ماركت)، ذلك لأن الآتي للدكان كان يجد كل ما ينوي شراءه بسهولة ويسر .. “مواد غذائية،البن وانواعه،العسل وانواعه،الأدوات المنزلية ترامس التبريد والشاي وأشياء أخرى.
ولجت إلى حيث أبي جالساً بالقرب من بوابة الدكان كان في الدور الارضي من عمارة تقع على الشارع العام وكان يطلق عليه تيمناً ب الشهيد مسواط وعلى جوانبه العديد من المرافق الحيوية قد أقيمت(منها مسجد النور الفريد وفرع البنك الاهلي اليمني وفي نهاية الشارع كان يقع مبنى الشوكي “والشوكي تعريف يطلق على مركز الشرطة” ويحيط به مراكز بيع الخضار والفواكه وغيرها) قبلت يده .. ابتسم أبي ولم يقبلني .. وقال عليك على عجل بني أذهب إلى امك واحضر لي قهوتي .. لا تتأخر علي، غادرت الدكان وتسلقت الدرج على عجل (والدرج هي سلالم العمارة التي كنا ساكنيها).. طرقت باب الشقة في الدور الثاني حيث كانت أمي واختي قمت بتغيير ملابس المدرسة ولبست سواها ولم أتناول طعامي ولا شرابي بل تناولت القهوة في الدلة “والدلة هي الوعاء الفضي الذي يميز أسلوب التعامل وتعاطي البن بالزنجبيل والهال أو الهيل في البداوة”.
حملت الدلة بكلتا يداي حَذِراً ونزلت ودخلت إلى حيث أبي جالسا فلم اجده على كرسيّه .. التفت إلى أحد الحاضرين أين أبي ؟؟
أجاب أحدهم : جاءه أحد المعارف .. معهم برزه (البرزة: هي حديث بين اثنين في شيءخاص بعيداً عن الجميع “كلام على جنب”) سيعود بعد قليل وهم ليسوا بعيداً ضع الدلة هنا وإذهب إلى أمك.
أن ذاك الإنسان الذي قلما تجد له شبيه في هيئته، شكله صمته الغالب على لحظات كلامه، و حديثه ،أما ضحكاته
فكانت على ندرتها ذات جلجلة أو كما يقال قهقهة،
فالجدية هي السمة الغالبة على حياته ومحياه
أبي فارع الطول،أسمر البشرة،أصلع الرأس في غالبه، وتزين ذقنه “لحية خفيفة” تموضعت في أقصى هاتيك العظمة عظمة الذقن،ذو أنف حاد الشكل يحمل نكهة حميرية صارمة.
أبي أكبر إخوته، تحمل المسؤولية،يكتب ويقرأ،
كان يسوس الأيام العِجاف بعديد التصرفات التي علّها تجود عليه وعلى من يلتمس منه العون من خير الحياة،
أمي تسألني :
ما بال أبيك الليلة .. على غير عادته آذان العشاء،ثم الصلاة قد أقيمت وما زال غائبا؟؟؟ مالذي أخّر قدومه للبيت ؟
هلّا ذهبت وجتئني بخبر ؟؟
أخشى أن أعد له طعام العشاء ويتأخر عنه فيبرد ؛
أمي تعلم أن أبي لا يفضل الطعام البارد ،
قفزت السلالم .. “ذلفت” إلى الدكان
أين أبي …؟؟
لم يأتني رد. ولا جواب ولا إشارة. !!
أين أبي ؟؟
وما من مجيب !!
لا أحد يسمعني ولا أحد يعلم بما يجيبني ؛؛
أبي منذ أن قام عن مقعده و خرج من دكانه في أمر البرزة التي اصطحبه إليها ذاك الشخص المعروف أو على وجه الدقة كان واحداً من “أعضاء فرق العمليات القذرة” ، ذلك المساء كان مساء شؤم على جميع من كان حول أبي ظاهراً وباطناً .. أما أبي ما جاد الزمن على أحد منا بلحظة علها يجيب عليه وكيف كان مساءه ؛؛
لم يعد !؟
كان على موعد قاس مع ألم باغته وباغتنا كلنا حين خرج ليبترز بذاك النكرة كان الموت _ والموت فقط الذي ينتظره _ غربت شمسنا وَكَمَن سَقط في عين حمئة إلى الأبد .
كان الفراق الأبدي في يوم 7/4/1973 غِيلة على أيدي سافكي الدماء وسفاحي النظام الهمجي المختل المحتل لجنوب اليمن كان يوما داميا أسود .
في سنين الثلث الأول من القرن العشرين غادر أبي إلى شرق آسيا وتحديدا إلى جمهورية إندونيسيا يبخر غباب البحر،وآفاق أحلامٍ بحظٍ أوفر، يضفي على حياته رونقاً وتميزاً يجعل من حلمه بالإتجار والتجارة والعيش الرغيد لوَاقِعاً لا حُلم .
تزوج بسيدة اندونيسية أنجبت له ثلاث بنات و إبن واحد وما كنت أنا قد اتيت هذا العالم الظالم المظلم بعد تلك المرأة كانت ( أمي ) !!
أبي اشتغل في تجارة الملابس الرجالية والعباءات النسوية وخصوصاً ما يعرف بالصوارين السمرنده ذات الطابع المميز والفريد والتي كان الرجال يرتدونها بما يعرف اليوم بالمعوز في كل من إندونيسيا وشبوة وحضرموت.
ساءت أحاول الناس في تلك البلاد البعيدة ونشبت الحرب وسيطرت تيارات مختلفة على أوضاع البلاد وكانت العودة إلى الوطن أمر حتمي.
أبي كان قد قرر فتح نشاط تجارياً في مكة المكرمة المقدسة في أحد ضواحيها القريبة من النشاط المعماري واليوم معروف بشارع منصور وكان قد إنشاء مصنع للطوب والإسمنت وكسارة الأحجار (الهلسن ) وتوفير الماء الحلو .
وبعد إتمام ذلك المشروع المتواضع ( الضخم في حينه ) وأوكل مهام تفعيل النشاط حينها إلى إخوته ثم اتجه إلى اليمن وقام بفتح معرض ببيع وشراء الأقمشة النسائية تحت مسجد النور وتلك البقالة في شارع مسواط وقبلها بقالة كانت في قصر المنصورة وكل هذا حدث في زمن الإحتلال البغيض .
أبي قام ببناء أول فلة ( بيت مستقل أبو حوش ) له في محافظة عدن مدينة المنصوره وبعدها إنشأ الثانية بجوارها وكما قام ببناء ذلك الصرح المذهل في قرية الغرير بنى ذلك البيت الجائز تسميته بالقصر لضخامته وتعدد السبل والمخارج فيه ، القائم على تسعه غرف طينيه وضم أبي جميع إخوته في هذه الدار وكان حسب أفضل ظنوني هذا في بداية العقد الثاني من العام 1962 أو حواليها.
أبي ذو نشاط إجتماعي بالدرجة الأساسية كوجيه من وُجهاء محافظة عدن ، وصَاحَبَ ذلك انتماءه السياسي كعنصر فاعل مجتمعياً لدى جبهة التحرير وكنت رغم صغري قد رافقته في عديد لقاءات الرفاق في بلوك 40 بمدينة المنصورة المجاهدة .
أوكل نظام اللا نظام الفاشي الماركسي لنفسه مهام غير أخلاقية ولا إنسانية ولا شرعية ومنها تصفية الوجاهات والأعيان والعقلاء من أبناء الوطن المباركين وبدأت أعمال الخطف والتنكيل والسحل والقتل مع مطلع سبعينيات القرن الماضي ولعلها ما انفكت أن تعاود سلوك تلك الوحشية بين فترة وأخرى .
بقلم الولد القاضي/أحمد صالح أحمد يسلم بن حبتور