الثورة اليمنية وتحرير فلسطين
مكافحة الاستعمار والصهيونية في تجربة ثورة ودولة 14 أكتوبر المجيدة ( 1967 م - 1990 م)
وكالة الأنباء اليمنية (سبأ) مركز البحوث والمعلومات
المقدمة:
قدمت ثورة 14 أكتوبر اليمنية المجيدة، والحركة الوطنية في جنوب اليمن المحتل تجربة مميزة في تبني القضية الفلسطينية، وذلك لأنهم كانوا في صِدام مباشر مع بريطانيا كنظام استعماري غربي متحالف مع الحركة الصهيونية ومع الاستعمار الأمريكي الصاعد حينها عقب الحرب العالمية الثانية، ولم تكن مصادفة أن أول لجنة لمقاطعة "إسرائيل" في الجزيرة العربية تأسست في عدن في العام 1956 م.
جسّد ميثاق الجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن المحتل -الذي صُيغ إبّان حرب التحرير الشعبية-، رؤية شاملة لمفهوم التحرر الوطني، ليس فقط على مستوى اليمن بل على مستوى العالم العربي ككل.
كان التحرر الوطني اليمني في ميثاق ثورة 14 أكتوبر، مرتبطاً بمواجهة الاستعمار والنظام الاستعماري العالمي، وكان تحرير فلسطين في قلب هذه الرؤية؛ فالثورة في جنوب اليمن لم تكن ثورة محلية فحسب، بل كانت جزءاً من حركة تحرر عربية أوسع، تهدف إلى القضاء على الاستعمار في كل أشكاله، وتوحيد الشعوب العربية تحت راية التحرر والوحدة.
في مرحلة ما بعد الاستقلال الوطني عقب عام 1967 م كانت القضية الفلسطينية حاضرة بشكل قوي، وفي هذه المرحلة اكتسبت أبعاداً أكثر عالمية وترابطاً مع حركات التحرر العالمية، بالإضافة إلى كونها قضية قومية عربية.
هذا التطور عكس نضوج الوعي الثوري الذي تبنته قوى ثورة 14 أكتوبر، والذي سعى إلى تحرير ليس فقط الأرض اليمنية بل أيضاً دعم نضال الشعوب الأخرى لتحقيق تحررها.
احتجاجاً على إحراق المسجد الأقصى 21-8-1969م ألقى الرئيس سالم ربيع علي خطاباً بعد صلاة الجمعة، أعلن فيه قطع العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية ومنع حاملي الجنسية الأمريكية من دخول أراضي جمهورية اليمن الشعبية، وقد استمر قطع العلاقات منذ ذلك اليوم حتى إعلان الوحدة عام 1990 م.
في مرحلة ما بعد الاستقلال ومع تعزّز الاتجاه اليساري في النظام الحاكم، أصبحت عدن مركزاً للثوريين العرب والفلسطينيين، ولعبت دوراً بارزاً في دعم جبهة الصمود والتصدي العربية، لمواجهة ما اعتبرته تسويات استسلاميه للصراع العربي-"الإسرائيلي"، مثل اتفاقية كامب ديفيد.
عنده تأسيسه في العام 1978 م حدد الحزب الاشتراكي اليمني في المؤتمر العام الأول السياسة الخارجية للدولة، بالقول إنه يرى أن التناقض الرئيسي على الصعيد القومي هو التناقض بين حركة التحرر العربية باعتبارها جزءاً من الحركة الثورية العالمية من جهة، وبين الامبريالية وعلى وجه الخصوص الامبريالية الأميركية والصهيونية والرجعية من جهة أخرى. وقد استمر هذا الموقف إلى عام تحقيق الوحدة اليمنية في العام 1990 م.
قدمت جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية دعماً قوياً للقضية الفلسطينية في مراحل متعددة، سواء من الناحية السياسية أو العسكرية. أقامت اليمن الديمقراطية علاقات وثيقة مع منظمة التحرير الفلسطينية منذ بداية السبعينيات. وكانت عدن واحدة من الدول العربية التي استضافت مكاتب المنظمة.
أقامت اليمن الديمقراطية معسكرات تدريب للمقاتل ني الفلسطينيين بين 1970 م و 1990 م، وأصبحت قاعدة خلفية للمقاومة الفلسطينية، وقدمت الدعم اللوجستي والتدريب. ضمت معسكرات المقاومة الفلسطينية في اليمن مقاتلين من حركات أممية عالمية أخرى مساندة للقضية الفلسطينية، مثل الجيش الأحمر الياباني وفصيل الجيش الأحمر الألماني، وأسس القائد الفلسطيني وديع حداد في عدن مكتباً ومعسكرات لدعم العمليات الخارجية للمقاومة الفلسطينية.
ومن العمليات التي انطلقت من عدن عملية في يونيو 1971 م تمثلت بقيام مجموعة من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بقيادة وديع حداد باستهداف سفينة النفط "الإسرائيلية" "كورال سي" في مضيق باب المندب.
هذا الموقف الداعم للمقاومة الفلسطينية والمعادي للاستعمار والصهيونية إرث ثوري مهم في واقع صراع اليوم، ودفاع اليمن عن فلسطين هو في آن دفاعاً عن اليمن وجزء من مهام القضية الوطنية اليمنية، لواحدة العدو الإمبريالي الصهيوني الذي يُريد إعادة تشكيل جغرافية المنطقة، وتثبيت الهيمنة الاستعمارية وممانعة آفاق التعدد القطبي على الصعيد العالمي.