مقدمـة:
نصحني عدد من الأصدقاء القُراء الأحباب الذين يتفاعلون بجديةٍ وحماسٍ مع قراءة مقالاتي السياسية والفكرية والإنسانية، ويتابعون باهت اممٍ حدّ الشغف خطاباتي وكلماتي في المناسبات الرسمية وغيرها من المناسبات المختلفة، بل أن البعض منهم يتعنّى ويُجهد ذاته للحضور لالتقاط صورةٍ ما، أو لسماع جملة ما وهكذا.
كما أن البعض منهم يحضر موقع المحاضرة لسماع تلك المحاضرة أو سماع كلماتي وتصريحاتي المقتضبة والمطولة، وجميع هؤلاء هم من المشاهدين لي في القنوات التلفزيونية والمتابعين لحواراتي السياسية والثقافية والفكرية، هؤلاء الأصدقاء الأعزاء نصحوني بأن أجمع أعمالي، وقد فعلت مجلدات الأعمال الفكرية الموثَّقة العامة لسنوات عملي ودراستي، وبالتحديد جميع مقالاتي السياسية والفكرية والإنسانية والعِلمية التي نشرتها عبر عددٍ من الصحف والمجلات والمواقع الإلكترونية على مدى العقود الماضية من الزمان، التي نَشْطَت فيها ذاكرتي وعقلي وقلمي وأفكاري وتجربتي العامة بين مختلف الحقول المعرفية العلمية والأكاديمية والإدارية والتربوية والحزبية والسياسية.
والهدف الرئيس من جمع تلك الأعمال الفكرية المكتوبة هو من أجل سهولة الوصول إليها وتناولها وقراءتها ونقدها وربما تحليلها، ولا أُخفي على القارئ اللبيب بأنني سعدت كثيراً، وفرحت بالفكرة الذهبية، وقمت على الفور مع إخوتي في (مؤسسة دار بن حبتور للعلوم والثقافة والتوثيق الخيرية) على تنفيذ الفكرة والعمل على جمعها، وقد أخذ التنفيذ مِنَّا حيزاً واسعاً من الزمن والجُهد كون تلك الكتابات ظهرت متفرقة، ومتناثرةً وموزعةً بين عددٍ من الصحف والمجلات والمواقع الإلكترونية والدوريات والكتب، وفي مساحةٍ زمنيةٍ طويلة نسبياً، تجاوزت ال 30 عاماً ونيّف، لكنها فكرة استحقت كل ذلك الجهد والعناء والصبر كي تُنفذ على أرض الواقع، وها نحن والحمد والشكر لله، قد وصلنا إلى إتمام الإنجاز الأولي في الجمع والتصحيح والتنقيح للكتابات المراد جمعها وتوثيقها في مجلدين لا بأس بهما، فقد تجاوزت صفحاتها في المجلد الواحد أزيد من 750 صفحه.
تنوعت تلك الكتابات بحسب طبيعة المرحلة السياسية والزمنية المُعاشة في لحظة كتابة محتوى المقالة التي كُتبت فيها، وبحسب العوامل المؤثرة على فكرة أو لنقل على الهاجس الشخصي للكتابة، لأن الكتابة لدي أنا شخصياً هي عبارة عن (هاجس) والهاجس عبارة عن نوعٍ من أنواع الإيحاء الشعري والأدبي والنفسي المؤثِّر والمحرِّك للعقل والعواطف حدّ التوليد المتوالي للأفكار، وأن تكون البيئة اللوجستية المحيطة بي مساعدة على تسلسل توارد الأفكار وتوالد الخواطر وانهمار وتفجُر الحروف المُفعمة بفكرة اللحظة المصاحبة لذلك الشعور المنسجم مع لحظة الفرادة الاستثنائية لتدافع الأفكار وخروجها جاهزة للتصفُح وللتفكُر والقراءة، واحتكاك الآراء، وتناثر الحروف والجُمل ضمن مخزون الذاكرة هي روافد تدفق تلك الكتابات وإعادة الصياغة وتكرار ضبط الجُمل والمفردات والعبارات مع الفكرة العامة التي يُراد منها هدف الموضوع المراد صياغته بشكله النهائي.
إنني أسعد كثيراً بقراءة كتابات (خصومي) الفكريين من مثقفين وإعلاميين وأكاديميين وحتى السياسيين منهم الذين يناقضون قناعاتي وكتاباتي وأفكاري، لكن وهنا وأكرر بشرط أن تحكمنا الموضوعية العلمية في قياس ذلك الاختلاف النظري والمنهجي والثقافي الموضوعي بيننا كحملة أفكار ورؤى ومواقف، ولسنا حملة (أسفارٍ) فحسب، كمثل الحمار يحمل أسفاره على ظهره كُتُباً من كُتب العلم، لا يُنتفع بها، ولا يُعقل ما فيها على الإطلاق.
يقول الفيلسوف الألماني/ هيجل حول فكرة الجدل، والجدلية المثالية، يقول ( أن الجدل بين رؤيتين وفكرتين متضادتين حدّ التناقض في أي مجالٍ من مجالات الحياة، ينشأ عنها بعد ذلك فكرة جديدة ثالثة).
فالإختلاف وتباين الأفكار حدّ التناقض في المناهج والأساليب والنظريات هي أحد سُنن الحياة للتطور، وقد سارت عليها أمم وشعوب وأقوام قبلنا، ونحن على ذات الطريق سائرون، وسنبقى كذلك إلى أن يرث الله الأرض وما عليها.
أكرر هنا ومُنذ أن اخترع الإنسان الأول الحرف والكتابة على الحجارة وألواح الطين والخشب وبعدها الورق، فقد كان الإختلاف والتباين في الرأي والفكر وجميع أطاريح الفلسفات النظرية والفكرية، يُعد أمراً شائع الحدوث بل إنه طبيعي، ولكن على أُسسٍ وقواعد لُغوية منطقية ومحكومة بميزان العقل والبصرية، وبعدها تتوالد العلوم الإنسانية والفلسفات والكتابات النظرية التجريدية والحسية والملموسة.
ولذلك ومن خلال الاكتشافات الأثرية التاريخية العظيمة للحضارات وبدء الحياة الإنسانية، وبروز الإنتاج المعرفي الذي سطّر بواسطة اكتشاف واختراع الحرف والكتابة الذي دوَّن كل المنجزات الإنسانية في العديد من الحضارات الشرقية الآسيوية والهندية مروراً بالحضارات البشرية الأخرى.
ففي حضارة ما بين النهرين (دجلة والفرات) على سبيل المثال: الأكدية، والآشورية، والسومرية وما أكتُشف من آثارٍ وكتابات مس امرية عظيمة، ويتذكر العالم الملك الأسطورة /جلجامش وملحمته الشهيرة في 2800 ق.م، وإرث كتابات قوانين المعلم /حمورابي الذي ارتبط مصطلح القانون به وبإنجازه الشخصي الذي أنجز فيه قرابة 300 نصٍ قانوني منقوش على الأحجار الصلبة، عاش قبل الميلاد بأزيد من ألف عام، والتاريخ المكتوب للقائد العظيم/ سرجون الأكدي وكذلك القائد الخالد/ نبوخذنصر، القوي وصاحب الإنجاز الشهير للسبي البابلي وتهجير اليهود وبني إسرائيل من أرض اليمن السعيد إلى العراق كما حاول ذلك أن يثبته المفكر العراقي/ فاضل الربيعي، والقائد / سنحاريب وآشور بانيبال.
لقد دلَّت الحضارات ما بين النهرين على عظمة الإنجاز الحضاري للإنسان يوم ذاك، وقد تزامنت حضارات ما بين النهرين مع عدد من الحضارات اليمنية القديمة، مثال على ذلك حضارة معين ، وسبأ، وتلتها حضارات حِمْيرَ، وحضرموت، وأوسان، وقتبان، والتي تم تدوين منجزاتها الحضارية بخط أهل اليمن وإسمه (خط المسند)، وامتدت تلك الحضارات اليمنية من عصر ما قبل الميلاد وما بعده، حتى آخر ملوك الدولة الحميرية القائد/ سيف بن ذي يزن، في القرن الخامس الميلادي تقريباً، (سيف بن ذي يزن " 516 م - 574 م")، هذا الملك الحِمْيَري اليماني وحكايته الشهيرة في لقائه التاريخي مع الشيخ / عبد المطلب جد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم.
في تلك الأزمنة والحقب الغابرة سطَّر المصريون القدماء ملاحم تاريخية عظيمة، ولازالت شواهدها ظاهرة للعيان، ووجودها وحضورها الطاغي يجبر السائح وعالم الآثار وحتى النفر من السواح (الهواة) أن يتوقفوا لساعاتٍ طِوال وأيام وليال وربما لسنين أمام منجزات الحضارة المصرية وملوكها العظام، وشواهدها التي لا تخطئه العين المجردة.
كما صاحب ذلك الإنجاز العديد من النظريات والفلسفات عبر كتابات قدماء المصريين على قطع الأحجار والجدران المستطيلة والأهرامات ووادي الملوك، ووادي الكباش والموميات، نعم إنها حضارة حية وليست حضارة أموات كما يشبهها البعض من الكُتَّاب والمفكرين.
لقد شكَّلت الحضارات (العربية) الثلاث، كمثلث إرتكاز للحضارة البشرية الإنسانية القديمة ما قبل تاريخ المسيح عليه السلام، وهي الحضارة اليمنية السعيدة، والسورية (الأشورية)، والمصرية القديمة، وبذلك نحن العرب قدمنا أفضل ما لدى الفِكر والثقافة والتاريخ الإنساني للبشرية جمعاء.
بعدها جاءت حضارة الإغريق والرومان وواصلوا مشوار الحضارة الإنسانية من خلال معلميهم وفلاسفتهم وحكمائهم. ولو تأملنا المشهد الفلسفي من التاريخ الإغريقي وفلاسفتهم العظام أمثال سقراط، وأفلاطون، وأرسطو، وفيثاغورس، بارمينيدس، أناكساجوراس، أناكسيماندر، زينون الإيلي، وغيرهم العشرات من فلاسفة الإغريق العظماء الذين عاشوا وانتجوا أفكارهم ونظرياتهم قبل ميلاد المسيح عليه السلام.
مروراً بفلاسفة الشرق الأقصى مُنذ عهد فلاسفتهم العظماء كونفوشيوس وبوذا وزرادتشة جمعاء، والذين يعتبروهم الآسيويين الشرقيين أنبياء الله في الأرض.
إن هدف جمع المادة الثقافية الفكرية والإنسانية أعلاه هو في الحفاظ على كل تلك الموضوعات من خلال كيفية الجمع والتصنيف وحتى التوثيق، كي يتم الحفاظ على أصل المادة الموثقة.
الهدف من كل ما سلف من عرض ومحطات هو الدور الذي لعبه الحرف والكتابة من جهة، وتباين واختلاف الآراء والأفكار والنظريات بموضوعية من جهة مقابلة.
أتمنى أننا قد وُفقنا في تحقيق هدف جمع المادة الفكرية كي يسهل تناولها من قِبَل المهتمين من حملة الفِكر والمعرفة، وحتى من بين الهواة الذين يروق لهم الاطلاع والقراءة والتحليل وخلافه.
﴿وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ﴾
روابط تحميل المجلدات من مكتبة دار بن حبتور
الكتابات الفكرية والسياسية والانسانية- للبروفيسور عبدالعزيز حبتور -الجزء الأول
الكتابات الفكرية والسياسية والانسانية- للبروفيسور عبدالعزيز حبتور -الجزء الثاني