البروفيسور بن حبتورالمقالاتمكتبة القلم

في ذكرى أربعينية فقيد اليمن الكبير/ علي السلامي

بقلم دولة البروفيسور عبدالعزيز صالح بن حبتور

في ذكرى أربعينية فقيد اليمن الكبير/ علي السلامي

 رددت سماوات بلادي ومدنها وقراها وحتى (حوافيها) اسم الفقيد المناضل الوحدوي الصلب/ علي أحمد ناصر السلامي (أبي مروان) لزمن تجاوز السبعة عقود، كان فيها علماً ونبراساً هادياً للعديد من الأجيال التي تتلمذت على أفكاره وتجربته الثرية الخصبة، كيف لا وهو أحد أهم أقطاب مَن تبني تطبيق تجربة حركة القوميين العرب إلى اليمن في منتصف الخمسينات من القرن العشرين حينما كان طالباً ألمعياً في الجامعات المصرية، هو ورفيق دربه الشهيد/ فيصل عبداللطيف الشعبي الصبيحي رحمة الله عليهم جميعاً.

 

بعد الإستقلال الوطني من المستعمر البريطاني وبالذات بعد الحركة الإنقلابية التي قادها أحد أفرقاء التنظيم السياسي للجبهة القومية في حزيران 1969م بمسمى (الحركة التصحيحية)، والتي على إثرها تم إحتجاز والسجن المؤبد للرئيس المؤسس لليمن الجنوبية  / قحطان محمد الشعبي رحمة الله عليه، وأغتيال الشهيد/ فيصل عبداللطيف الشعبي في سجن (مربط) الرهيب بالتواهي، وفي ذات اللحظات تم ابعاد المناضل/ علي السلامي  إلى الخارج بحجة العمل هناك وهو أشبه بالنفي الإجباري.

لم يتوقف السلامي المناضل لحظة واحدة عن العمل السياسي وظل في تواصل بكل السبل مع كل رفاقه ومريديه الذين أمنوا بأفكاره النيرة والمنقذة ” للتجربة ” الوطنية التحررية ذات البعد الوطني الوحدوي العروبي ، مقارعاً بالحجة السياسية كل من تولى مقاليد السلطة بعد الإنقلاب المشؤوم ، وهم عبارة عن مجموعة شابة متطرفة جامحة للحكم تنعدم لديها الخبرة والتجربة السياسية وإدارة شؤون الحكم ، ولهذا كان مصيرهم التشظي والتناحر والهلاك  فيما تبقى من عمر التجربة ” الثورية المتطرفة ” .

امتاز السلامي السياسي بحنكة وخبرة سياسية واسعة وظل رقماً مهماً في كل محطات الصراعات اللاحقة من عمر التجربة، وتنقل بين أهم المواقع والمراكز الدبلوماسية والتشريعية الحساسة برغم إعلانه المتكرر بانه لم يعد متحزباً سياسياً منحازاً مع طرفٍ سياسي من أطراف الصراع في التنظيم السياسي الموحد للجبهة القومية وبعدها الحزب الاشتراكي اليمني، على الرغم انه معلمهم جميعاً ومؤسس جذور حزبهم ، ولكنه فضل الابتعاد عن الشكل التنظيمي الصارخ .

أمتاز السلامي في كل مسيرته بخاصية الواقعية السياسية ، بعيد عن النزق والتطرف والتهور السياسي ، ولذلك أمن شر مترتبات  حرب الأخوة الأعداء في كل تناقضاتهم الدائمة ،وسلم حتى من النيران الصديقة التي كان يتطاير شررها بين حين وآخر ، وهذا لعمري من أهم خصائص القائد السياسي الواقعي الذي يبتعد حينما يقترب شرر اللهب الحارق بين الإخوة (كارامازوف)، ويقترب حينما يستدعي الوطن أبنائه لمواصلة البناء والعمل، ولهذا ظل على مسافة متساوية دقيقة بين أجنحة القبائل الماركسية المتعاركة والتي امتطى كلٍ منهم  جواد (الفكر الماركسي الموسكفي الستاليني تارة والماوي تارة أخرى).

بعد الوحدة اليمنية المباركة وبعد قراءة متأنية لواقع التعددية السياسية والحزبية في اليمن قرر ان ينظم إلى صفوف المؤتمر الشعبي العام، وانتخب في أحد مؤتمراته العامة عضواً في اللجنة العامة للمؤتمر (المكتب السياسي)، استمر مناضلاً صلباً يقدم من مخزون تجربته الحزبية والوطنية أجمل الأفكار والتجارب الثرية وأصبحت اليوم جزءً أصيلاً من وثائق وأدبيات حزب المؤتمر الشعبي العام.

شغل عضوية مجلس الشورى اليمني لمدة تتجاوز العشرة سنوات إلى يوم وفاته وكان عضواً مؤثراً وفاعلاً بالمجلس وبلسان زملائه الكرام في مجلس الشورى.

تجربتي الشخصية المباشرة مع الفقيد :

جمعتني به العديد من اللقاءات التي لا عد ولا حصر لها، كان يطلب منا كمسؤولين في المؤسسات التربوية والأكاديمية والحكومية  ذات العلاقة بتقييم التقارير الدورية المقدمة للمجلس، وكان حريص أن يأخذ البيانات والمعلومات من مصادرها المباشرة ويزيد عليها من خبرته وتجربته الواسعة ، لكننا تواصلنا كثيراً حينما فكرنا معاً وعدد من الزملاء بان نؤسس الملتقى الوطني لأبناء الجنوب ، رداً على تطاول بعض الجماعات المتطرفة والنزقة التي تدعي زوراً تمثيلها للجنوب اليمني ، أمضينا ايام وأسابيع وأشهر حتى تبلورت الفكرة الجماعية ، بوثائقها وأدبياتها النظرية وعدد المنظويين بها ، وكان الأستاذ / علي أحمد السلامي في كل الجلسات ، قليل الحديث ، كثير الأفكار الهادئة والمؤثرة في انجاز ذلك المشروع الذي مثل رأياً جنوبياً وحدوياً ناضجاً يخدم مستقبل العملية السياسية اليمنية برمتها ، وقد انتخب رئيساً للهيئة العليا للملتقى إلى يوم وفاته رحمة الله عليه.

لقد مثلت تجربة المناضل/ علي السلامي علامة مفصلية في مسيرة العمل والتجربة السياسية اليمنية ، وكانت بصماته بارزة في العديد من المواقف والمحطات ،  وتستحق بجدارة ان تُدْرس بإهتمام من ذوي الإختصاص بالشأن التوثيقي السياسي وفي تقييم المرحل السياسية اليمنية المُتعرجة ، ويتم التمعن في كل محطاتها منذ مرحلة التحرر من المستعمر البريطاني إلى لحظة وفاته ، وهي محطات حرجة وأحياناً خطره ، خاصة أثنا مرحلة إفتراق (الرفاق) الدامي في جنوب الوطن العزيز.

خسرناه جميعاً إنساناً جميلاً ، وسياسياً بارعاً ، في لحظة عدوان غاشم على بلادنا ، ولكن لم نخسر قط دروسه وتعاليمه وتجربته ، والحمد لله رب العالمين ، ورحم الله أستاذنا السلامي وأسكنه فسيح الجنات مع النبيين والشهداء والصديقين ، وإلهم الجميع من أسرته ومحبيه الصبر والسلوان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، أدعوا له جميعاً في هذه الأيام الرمضانية المباركة بالرحمة والمغفرة والقبول في الفردوس الأعلى من الجنة.

 

 

﴿وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ﴾

http://aljanoobi.net/ar/content/ في-ذكرى-أربعينية-فقيد-اليمن-الكبير-علي

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى