البروفيسور بن حبتورالمقالاتمكتبة القلم

الخالدون في ذاكرة التاريخ إلى صديقنا الشهيد محمد ناجي سعيد “أبي أزال”

بقلم دولة البروفيسور عبدالعزيز صالح بن حبتور

الخالدون في ذاكرة التاريخ إلى صديقنا الشهيد محمد ناجي سعيد “أبي أزال”

حلت بنا مأساة ومصيبة التطرف والتشدد عندما ظهر نفراً من قادة الحزب الإشتراكي اليمني في مطلع الثمانينات وطالبو بإعادة النظر في نهج الحزب واستراتيجيته التي بدأت تنحرف عن مسار الخط الماركسي اللينيني الأصيل، والذي بدأ يقوده الرئيس والأمين العام للحزب آنذاك علي ناصر محمد ومن هنا بدأت شرارة الفتنة تنتشر كالنار في الهشيم واستغلت مراكز القوى والنفوذ والأصوليون اليساريون في الحزب الموقف بطرح شعارات سياسية وإنزالها إلى قواعد الحزب حتى وصلت إلى معظم أفراد المجتمع، وكانت أبرز تلك الشعارات:

– إن اتجاه الرئيس علي ناصر محمد يمثل التراجع الملحوظ عن الخط السياسي “النقي في الحزب”

– تزايد الاهتمام بالقطاع الخاص ورجال المال والأعمال.

– لوحظ التقارب الواضح من خلال الزيارات وتبادل الوفود وتوقيع الاتفاقيات مع النظام في الجمهورية العربية اليمنية برئاسة الرئيس علي عبدالله صالح.

– بدء التقارب مع دول الجوار الشقيقة في الخليج والجزيرة.

– التراجع عن ما تحقق من منجزات ثورية في القطاع الزراعي، الصناعي والاجتماعي وتراث هذه الشعارات، وظهرت تعبئة كبيرة للبسطاء من أعضاء الحزب وبعض شرائح المجتمع.

أتذكر أننا كنا مجموعة من الأصدقاء والزملاء قد فوجئنا تلك التعبئة المدمرة ونزولها إلى الشارع السياسي.

وأتذكر من بين عدد كبير من الأصدقاء الشهيد محمد ناجي سعيد والأستاذ رياض العكبري ود. أحمد صالح منصر، د.عبدالله محسن طالب باسردة، ود. جعفرمنيعم، ود.صالح ميسري، ود.مهدي سالم علي ،ود. أحمد سالم الجرباء والأستاذ باعظيم وكان هؤلاء الأصدقاء والزملاء والشهداء زملاء مهنة التدريس والعمل الطلابي والشبابي.

كنا نتدارس هذه المواقف المتشددة والآراء المتطرفة والمسوقة مركزياً من قبل مراكز القوى المتطرفة، وأتذكر جيداً كم كان ذلك الشاب الشهيد محمد ناجي ممتلئاً حماساً وثقة بالنفس وكان ذا ثقافة واسعة ويمتاز بمشاعر إنسانية مرهفة.

إن استحضار المواقف التاريخية للآخرين يحتاج منا جميعاً إلى الموضوعية والأمانة لأنها حديث عن أناس قد غابوا عنا وسكنوا دار الخلود بعودة الروح إلى خالقها ولن يجادلونا ولن يحاورونا ولن يغيروا ما نكتبه او نشير إليه لذلك كله فإن امانة الكلمة والموقف تتطلب التجرد من كل ما يعلق بالنفس من أنانيتها وحبها وطمعها حتى في موقف الناس .

الشهيد محمد “أبو أزال” كان قائداً سياسياً نقابياً طلابياً مقتدراً يجمع بين العديد من خصائص القائد والسياسي والإنسان التربوي يمتلك خبرة واسعة إطلاع مكنته من اكتساب حب وتقدير من عملوا معه عندما كان رئيس المجلس المركزي للطلاب اليمنيين وعضواً قيادياً في اتحاد الشباب اليمني ويمتلك فوق هذا وذاك رؤية فكرية استراتيجية تجاه الموضوعات المثارة.

كان شاباً مولعاً بالحياة ومعطياتها ويحب الغناء والموسيقى ، والرقص، وكل الفنون بألوانها لهذا كان يقف معنا دوماً، يقف مع طلاب جامعة عدن وهم يبدعون في أسابيعهم الطلابية شبابية ،كان حاضراً بين طالبات وطلاب الجامعة وهم يؤدون بروفاتهم أو يؤدون وصلاتهم على خشبة مسارح الكليات.

دعني ياصديقي”أبا أزال” أخاطبك أحاور روحك الطاهرة فنحن الأحياء لم نكن بمستوى الوفاء المطلوب لك، إلا أن البعض منا على استعداد دائم لإحياء ذكراك وذاكرتنا الحية لن تنسى ذكركم الحي المتوهج المشع لأننا لن ننسى شهدائنا الأبرار، نحن نحاور روحك لأنها أطهر منا جميعاً سبقتنا إلى الشهادة دفاعاً عن محراب الحرية والوحدة والوطن.

أزهقت روحك لأنك رفضت الإستسلام لعبادة النصوص الجوفاء الخالية من مضامين الحب والوفاء لشعبك ووطنك وعزتك.أعدمت في ليلة بهماء لأنك الأفضل والأحسن والأعقل منهم جمعياً. أنهم يكرهون الثقافة والمثقفين لأنهم ببساطة جهلة. لقد رحلت عنا بمأساة ليس لها نظير في تاريخنا المعاصر، في أحدث مأساة 13يناير1986م.

رحلة مع كوكبة من خبرة مثقفينا. رحلت مع فاروق علي أحمد وهادي أحمد ناصر العولقي وزكي بركات وعبدالله شرف، واحمد بشر وفاروق رفعت، وأحمد سالم الحنكي، وإسماعيل الشيباني، وجمال الخطيب، وعبدالرحمن بلجون، محمد علي عبدالسلام، محسن أحمد الشكلية، مسعد هادي لخزع، والصديق العزيز محمد حسين باعينين بافهيد، مصابيح الوطن وقناديله، هؤلاء كانوا الكوكبة الشابة المنيرة، هم نهر الثقافة في المحافظات الشرقية والجنوبية.

الخفافيش وحدها تخاف الضوء تخاف النهار تخاف المصابيح لهذا أطفئوا نورها، أطفئوا تلك القناديل كي يعيش الوطن في ظلام دائم، لأنهم “سرات الليل” يخطفون أعز ما في الوطن من عقول وهامات ورجال، تلك كانت سنتهم وهاجسهم وهدفهم.

يا أبا أزال ،ربما تأخرنا عليك ،تأخرنا في رسم ذاكراك في إعادة وشم ذكراكم على جدران عقولنا وقلوبنا لكننا قد وصلنا والحمدلله. وصلنا إلى كتابة كتابكم وذكر حديثكم والتذكير بتاريخكم المشرق الوضاء أمانة للأجيال وصوتاً للوفاء ،وكان يمكن أن يكون هذا مستحيلاً إذا لم نعش فجر الحرية وفجر ميلادنا جميعاً في 22مايو يوم إستعاد الكل منا ذاته المشطرة، المجزاة والتائهة.

ستستغرب روحك واحباؤك بأن من يجب أن يتذكرك قد نسى في لجة الحياة ودوامة حياته الخاصة لكن عزاءنا جميعاً بأن عشرات آلاف من محبيك يحملوك في الذاكرة بتلك الابتسامة والوفاء والفكر الصادر من اعماقك، وهؤلاء هم مادة كتاباتنا وأقلامنا وأفكارنا ولن نحزن مادام امثالهم في الوطن.

وها نحن نوثق لتاريخك مع حلول الذكرى العاشرة ليوم لم تره، ليوم حلمت به ليوم ناضلت مع الكثيرين من أجله انها الذكرى العاشرة ليوم الوحدة اليمنية المبارك22مايو 1990م.

 

لقد جاءت الأحداث المؤلمة في 13 يناير1986م ونحن خارج الوطن منا في ألمانيا للدراسة فسمعنا بدوي الحدث المجلجل وتذكرناك وحزنا وأتذكر أننا التقينا مجموعة من الأصدقاء والزملاء في منزل الصديق السفير عبدالوكيل إسماعيل السروري سفير اليمن الجنوبي آنذاك في ألمانيا الديمقراطية منا في إحدى ضواحي مدينة برلين الجميلة نتذكر ونستذكر أسماء الشهداء والمفقودين والنازحين إلى صنعاء الحبيبة، نتألم ونتدارس ما حل بالوطن. ما حل بالأهل والأصدقاء، كنا مجموعة أتذكر منهم ا.د صالح علي باصرة والأستاذ حسن علي عليوه ود.محمد سالم بن بريك، ود. محمد الغزالي، والأستاذ محمد إسماعيل السروري، د.محمد أحمد لكو، ود.صالح حيدرة محسن، ود.عبدالرحمن الصبري والعديد من أسماء الأصدقاء الذين لم أعد أتذكر أسمائهم جميعاً كنا نتذكرهم بإجلال وسمو ووفاء، وبكينا بكاء صامتاً من الأعماق.

 

 

 

الوفاء والعهد عناوين لمضامين كبيرة تجسدها أصالة ومعدن الناس وديننا الإسلامي وأصالتنا العربية حثنا على الوفاء والعهد. مهما قلنا ومهما كتبنا لن نفيكم حقكم فكنتم مثال للإقتداء ورجالاً أوفياء.. أن شهداء الوطن كلهم سيظلون رمز رفعتنا وعنوان كرامتنا ومشاعل تضيء دروبنا..قال تعالى: “ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياءً عند ربهم يرزقون”

 

صدق الله العظيم

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى