
الموسيقار أحمد بن أحمد قاسم (*) وعذوبة الموسيقى العدنية
بقلم دولة البروفيسور عبدالعزيز صالح بن حبتور
الموسيقار أحمد بن أحمد قاسم (*)
وعذوبة الموسيقى العدنية
نشأ الفنان أحمد بن أحمد قاسم في أسرة عدنية فنية أصيلة، ومنذُ ريعان شبابه ظهر عليه نبوغ مبكر وشغف بالموسيقى والفن.. وأدت المدينة الحي والمدرسة دوراً في صقل موهبته وإبداعه الفني، وكان لوجود مدارس فنية متعددة وعمالقة في الموسيقى والغناء بعدن دور مهم في تهذيب وتطوير قدراته الفنية، وتفتق مواهبه في الغناء والتلحين.. فالمدينة كانت بيئة حاضنة مطورة ومشجعة ومؤثرة للفنان أحمد بن أحمد قاسم.
وكانت عدن وصنعاء المدينتين الحاضنتين الأكثر دفئاً لقبول وانطلاق هذا الفن الرفيع الذي مثله الفنان المبدع أحمد بن أحمد قاسم.
تلكم القدرات الإبداعية لفناننا لا يمكن لها أن تتطور لولا مثابرته الجادة في تعلم الموسيقى ودراستها على يد فنانين ومدارس فنية كبيرة في كل من القاهرة وباريس وموسكو، فعندما أتيحت للفنان أحمد قاسم الفرصة للتعلم استغلها استغلالاً جيداً وتلقف تلك الفرصة التاريخية لموهبته، وتمكن من خلالها أن يؤسس مدرسة موسيقية متفردة خاصة به كفنان.
وتنقل “قاسم” بين عذوبة الموسيقى والفن العدني، ورصانة الموسيقى اليمنية العامة، وبين عمق التجربة من المدرسة المصرية للفن وتقدم المدرسة الباريسية والروسية، التي انصهرت كلها وشكلت مدرسته الفنية وأوصلته إلى أن يكون موسيقاراً عالمياً.
وتجاوز الفنان أحمد قاسم ذلك الأمر بعد أن أضاف إلى رصيده الإبداعي في ألق شبابه “فن التمثيل” وخاض تجربة التمثيل السينمائي فأبدع وتميز وسجل اسمه في سفر التاريخ السينمائي اليمني، كأول فنان وممثل يمني في السينما العربية المصرية من خلال فيلمه ذائع الصيت “حبي في القاهرة “، الذي شاركه فيه ممثلون كبار منهم الممثلة زيزي البدراوي، والممثل محمود المليجي…الخ.
الفنان “أحمد قاسم” بعد مضي عقدين من الزمن على وفاته لانزال مستمعين متذوقين لفنه، ولا نزال نتذكر أغانيه العذبة ونستمتع بها، فمن ذا الذي لا تطربه أغاني “اشتقت لك”، و”نعم أهواك”، و”صدفة التقينا”، و”عدن.. عدن يا ريت عدن”، و”أنا يا دنيا اتألم”، و”يا شعبنا”، و”راح الهوى”، و”قلبه سأل قلبي”، و”عذبيني”، و”أنت ولا أحد سواك”، و”حبيبي يا ليل”…الخ.
هذا الفنان يستطيع وهو غائب أن يعيدك إلى بلاد الفن الراقي بقدراته الموسيقية الهائلة وبلحنه العدني الأصيل وباختياره للكلمات العذبة الرائعة، فقد غنى لمدة طويلة مع كبار الشعراء كلطفي جعفر أمان، ومصطفى الخضر، وعبدالله عبدالكريم، وفريد بركات، وأحمد الجابري…الخ.
إن جامعة عدن، التزاماً منها بإحياء التراث الثقافي الموسيقي والفني لهذه المدينة العملاقة “عدن”، قد اختارت أن تحتفي بعدد من رموز وأساطين الفن فيها، ومن أبرزهم الموسيقار الدكتور/ أحمد بن أحمد قاسم.
وبمناسبة إحياء ذكرى رحيله “العشرين” نقدم هذا الكتاب التوثيقي لمسيرة هذا الفنان الكبير، تجسيداً لدوره في إحياء تراث عمالقة الفن اليمني ورموزه بمدينة عدن وعلى مستوى الوطن كله.
فقد أسهم الموسيقار “قاسم” في تأسيس مدرسة خاصة به تُعد علامة من علامات الفن بعدن، والذي أطلق عليه اسم “الفن العدني”، والذي يُعد هو أحد رواده حينما كان الفن الغنائي قبل ذلك محصوراً بالألوان الحضرمية، واللحجية والصنعانية…الخ، ولذلك فهو أسس مع غيره من رواد الأغنية العدنية لوناً فنياً جميلاً ومتميزاً، بل أنه تجاوز ذلك إلى أن يحول هذه الألحان العدنية إلى أوركسترا، وقام بعمل أشبه بالسيمفونية عندما كان طالباً بالدراسات العليا في موسكو، وطور هذا الفن إلى أن أصبح فناً يعيشه العاشقون والحالمون و ذوو الذوق الرفيع في عدن واليمن كلها.
دون شك فإن مدينة عدن زاخرة بالمبدعين وفيها عدد كبير من ذوي الملكات الإبداعية في مجالات عدة، ولأن الغناء والموسيقى يُعدان من أرقى أشكال الفنون فهما يحتاجان لمن يقوم بعملية جمع تراث الفنانين وبالذات الكبار منهم، والشعوب تعتز كثيراً وتفتخر وتفاخر بمبدعيها وأحمد قاسم أحد هؤلاء الرموز، ولذلك ينبغي على كل الجهات المسئولة أنْ لا تترك هذا الإبداع يضيع ويتوه لمجرد وفاة هذا المبدع أو ذاك، وينبغي أن نؤسس لعمل مؤسسي حكومي مدني صحيح يمكن من خلاله أن نجمع ونحافظ ونطور تلكم الإنتاجات الإنسانية البديعة.
نعم هناك جهود فردية وأحياناً أسرية تهتم بجمع تراث هذه المدينة وتراث مبدعيها، ولكن هذا في حساب الشعوب لا يدوم طويلاً، وما يدوم ويستمر ويصبح ملكاً مشاعاً لجميع المواطنين وعرضه للاطلاع والزيارة من قبل المهتمين والباحثين من داخل وخارج الوطن، هو المؤسسات الرسمية كالمتاحف والمراكز التي تجمع فيها خلاصة إبداعات وأفكار وعطاءات مبدعي هذا المدينة أو تلك.
قد خصصنا في ذاكرة جامعة عدن حيزاً لعدد من مبدعي ومثقفي اليمن وبالذات لمن عاشوا وخدموا وأبدعوا في مدينة عدن، نحافظ على كتبهم وأبحاثهم وتراثهم وحتى مقتنياتهم الشخصية كمساهمة من المؤسسة الأكاديمية التعليمية “جامعة عدن”، تجاه من أتحفونا بتراثهم الرائع وبفنهم البديع، ومنهم فناننا الكبير أحمد قاسم، وإنا على هذا الدرب ماضون.
والله من وراء القصـد،،،



