اراء محليةاراء و اتجاهاتالاخبار

بالذكرى اليوبيلية الأولى لتأسيس دار بن حبتور عشرة أعوام من مسيرة لا تشبه سوى صناعها

بقلم الاستاذ محمد عبدالمجيد الجوهري

على غير العادة اجد نفسي لأول مرة مزنوق في كتابة مقال احتفالي مبشر ببهجة الاحتفاء بمناسبة في غاية الأهمية بالنسبة لي شخصياً في الاغلب الاعم من منطلق الشراكة والتشاركية الكفاحية مع رفيق درب مجيد بحجم صديقي د. عزيز بن حبتور، وقد اعيتني هذه الزنقة كثيراً حيث انها افقدتني الشعور بالأريحية التي انطلق من خلالها في كتابة مقالاتي عادة لا سيما تلك المقالات التي تحمل موضوعات محورية او قضايا وازنة يسعد المهتمين بمطالعتها، ولعل هذه الفعالية الاحتفائية بالذكرى العاشرة لتأسيس “مؤسسة دار بن حبتور الخيرية للعلوم والثقافة والتوثيق” هي واحدة من تلك القضايا الوازنة التي كان يفترض الخوض في وتناولها بكثير من الاريحية الباعثة على البهجة المؤججة لتشظيات الابداع الذي كان سيؤطر هذا “الاحتفال اليوبيلي”.

ارجو السماح والمعذرة على هذه التوطئة ذات النكهة المائلة للدراما قليلاً بدلاً من ان تكن فرائحية ولكن مكره اخاكم لا بطل، فانا رجل ذوغري وصريح كما عودتكم دائماً في جل تناولاتي لمختلق الموضوعات حتى في الردود والتعقيبات اسطرها على بعض الرفاق والزملاء … ولنغادر مربع جلد الذات وتنطلق للخوض في ثنايا اللحظة والمناسبة الاحتفالية.

السياق هنا ليس تبريري ابداً بل هو توضيحي للملابسات و الظروف التي أحاطت بهذة المناسبة الاحتفالية، فكما تعرفون قد سبقتها فترة العشر من ذي الحجة ومعها الأعياد وتلاتها تلك الحرب الغاشمة الصهيونية على الجمهورية الإيرانية الإسلامية حليفنا وشقيقنا المسلم وراس حربة محور المقاومة، والتي تشكل الجمهورية اليمنية واحدة من اهم اركانه وقواه الفاعلة تنكيلاً بالعدو الصهيوامريكي ومعه الغرب الجماعي بقيادة الانجلوسكسون، ومنذ بداية الكفاح الشبابي لدولة البروف/ عبد العزيز بن حبتور والشاب مهتم بقضايا وطنه وامتيه العربية والإسلامية وهي نفس الحالة التي كنا نعيشها معاً من منتصف سبعينيات القرن الفارط الى غاية يومنا هذا.

هذه الملابسات والظروف جعلته أقصد بن حبتور وفريق عمل المؤسسة ونحن في معيتهم نغفل عن الانتباه المبكر للإحتفال بالعيد اليوبيلي والذكرى العاشرة لتأسيس “الدار” كمؤسسة خيرية للعلوم والثقافة والتوثيق”، وذلك أمر يحصل مع افضل صماصيم الرجال في ظل المدلهمات من الخطوب المصيرية كالمواجهة مع العدوانية التي شنها الكيان الصهيوامريكي على ايران الشقيقة تكبراً وغطرسة.

وبالعودة لموضوع مؤسسة دار بن حبتور الخيرية وذكرى تأسيسها العاشرة اود القول بصراحة انني اجهل كيف رست تسميتها على هذا النحو “الخيرية” هل من منطلق صوفي روحاني لصيق بكينونة البروف / عبد العزيز صالح بن حبتور او رغبة منه لمنحها كذلك بعد انساني خيري سيكون رافد بركة يعزز دورها العلمي والثقافي التوثيقي، لا سيما والرجل صاحب ايادي بيضاء لا يمكن نكرانها مطلقاً تمكنه من استقطاب اهل الخير في دعم مساعيه الخيرية فهو ليس من عبيد كنز الأموال او من الباحثين عن مراكمتها من خلال المواقع والمناصب التي تسنم ذراها.

وبالمناسبة اذكر مثلاً حين تم تعيينه وكيل اول وزارة التربية لشؤون تصفية المعاهد العلمية التي فرخها حزب التجمع اليمني للإصلاح، كم كانت المخصصات المالية ( مئات الملايين من الريالات التي بين يديه لإنجاز هذه المهمة الشديدة التعقيد والخطورة، ولو أوكلت هذه المهمة بمخصصاتها لغيره لخرج بحصاد في اقل تقدير ٢٥% من تلك الأموال ومعظمنا يعلم ذلك علم يقين فهي مهمة يحمل منفذها كفنه فوق ظهره، فقط أوردت المثال للإضاءة على طبيعة صديقي النزاعة لفعل الخير في مقاربة للوقوف على تمسكه بمفردة (الخيرية) ولا علم لي بنسبة التوفيق في هذه المقاربة والامر برهن تقديراتكم …؟؟؟.

لكي يكن لدينا متن متماسك في مقالنا هذا يجب ان لا نقفز من فقرة الى أخرى بخفة التائه التي تفسد رصانة التناول، لذلك لابد من ضبط الرتم العام للمقال من خلال وضع القارئ الكريم في صورة التفاصيل المهمة لصاحب دار بن حبتور والتي عكسها جملة وتفصيل لترسم ملامحه العامة التي يريدها كما هي لجهة طبيعة عمل الدار والادوار التي يجب ان ينهض بها في واقع حياة البلاد كمركز تنويري / ثقافي وتوثيقي مهم في محاربة ازمنة التصحر والتجريف للعطاءات الإبداعية.

ولكي لا نبق غارقين في مربع التسطيح والتفاهة الذي يتم تكريسه لنظل اسرى مفاعيله حيث لم يكن تأسيس دار بن حبتور فزعة مثقف ثوري مشتبك مع قضايا شعبه ووطنه، بل كان تجسيد واعي لبناء صرح مؤسسي ثابت البنيان الإستدامة في خدماته ركن أصيل والمراكمة لأنشطته والخبرات التي يمنحها لرواده هدف سامي لا يجوز اهماله، بعقلية القامة الأكاديمية وبخبرة رجل الدولة الذكي ومعهما فكر ومنهجية السياسي الشغوف بالتاريخ عشقاً وبحثاً موسوعياً في زواياه ودهاليزه، باشر التفكير في مشروع إقامة وتأسيس هذا الدار الذي أراده ان يكن مؤسسة متعددة الأغراض والمنافع لا سيما وهو ابن وطن ضارب العُمق في التاريخ الإنساني، لا بل ان ملامح اليمن العظيم بارزة في سيرة ومسيرة الحضارة البشرية وسردياتها التي لا حدود تحصرها في “الزمكنة” يعلم العرب والأعاجم والفرنج والمهتمين بالتاريخ من اهل الأرض جميعاً، حجم الآثار والنقوش والعملات والأسلحة والمخطوطات الجلدية والورقية التي لاتزال موجودة في اليمن برغم نزيف السرقة والتهريب والمتاجرة التي تعرضت لها الآثار اليمنية، لا بل ان الزائر لليمن يجد نفسه في صنعاء القديمة (آزال) مدينة سام بن نوح عالقاً في قلب التاريخ وكأنه يعيش في اغوار مشاهد فيلم من افلام فنتازيا الخيال العلمي، من خلال هذة الرؤية التي اجتهدنا في شرح تفاصيلها لك عزيزي القارئ الكريم لطالما اجتهد دولة البروف / عزيز بن حبتور على تجسيدها من خلال مشروعه الخيري “مؤسسة دار بن حبتور الخيرية للعلوم والثقافة والتوثيق” ، لربما كان لنشأته الأولى في مديرية حبان ببلاد الواحدي وما تشتهر به حبان كحاضرة لسكنى السادة والاشراف ومناصب العلم والفقه السني النبوي تأثيره الواضح في بناء كينونته الصوفية والروحانية كما اسلفت بعاليه، ومرويات الصوفية وسردياتها التي لا عد ولا حصر لها كانت الزاد المعرفي الذي بنى اللبنات الأولى التي شغلت مداركه بهاجس العشق للتاريخ وصقلت مواهبه في خلق مهارات الغوص والابحار في فضاءاته الواسعة، ولعل من لطف الله به انه كان غير مولع بالمصائب الثلاث التي ابتلي بها اعداد كثيرة من اليمنيين وهي : تدخين السجائر + مضغ القات + معاقرة الخمر، وتلك نعمة كبيرة لا يعلم بحجمها و اهميتها إلا الذين ابتلوا بها وذاقوا حجم مضارها وتكاليفها المادية والجسدية والنفسية، لذلك حين تم ايفاده للدراسة الى جمهورية المانيا الديمقراطية للدراسات العليا لم يكن شغوف في ارتياد البارات ومراقص الديسكو وحفلات المجون والترف، بل كان مهتماً بزيارة المتاحف والمواقع الأثرية ودور الأوبرا والمسارح التاريخية التي تشتهر بها الإمبراطورية البروسية، كما كان حريصاً على اقتناء كل ما يقع بيديه من اعمال فنية وتحف وعملات قديمة وغيرها من الإنتيكات.

والسفينير”، وكأن الرجل كان على موعد لإنجاز مشروع سخره الله للنهوض به وطبعاً كل تلك الأمور لا تأت عشوائياً بل تكن لها ممهداتها الوازنة بتواتر يراكم المعطيات وظروف التوافر عليها وامتلاك خزينها اللازم، وبعد العودة من الدراسة ونيل شهادة الدكتوراة باشر عمله بجامعة عدن التي كان لها الفضل الكبير في تصويب بوصلة اهتمامه للتفرغ لمشروعه الإنتاجي الفكري / المعرفي، ولم يغب عن ذهنه كذلك الشق التكميلي في جدلية المعرفة كتجسيد حي من خلال ربطها بدنمياتها الأصيلة عبر دار بن حبتور كرافعة مؤسسية مادية تحتوي بإحاطة حميمية كافة طموحاته ورسالته الاكاديمية ومعها قناعاته الصوفية الخيرية … متروك للقارئ الكريم تَخَيل حجم العمل والجهد اللذان تم بذلهما ذاتياً من قبل شخص بمفرده تحدى نفسه وانتصر عليها لإنجاز مثل هذا المشروع العملاق بل والأموال التي تم صرفها من حر ماله لتأسيس “مؤسسة دار بن حبتور الخيرية للعلوم والثقافة والتوثيق ” طبعاً في الأول والأخير كانت المشيئة الربانية هي الأساس كما اشرنا، وحيث كانت عصمته من التولع بالقات + تدخين السجائر + معاقرة الخمر وبقية الملذات المعروفة ، ليس ما ذكر تزكية مني لشخص صديقي الفذ لا بل هي تمكين رباني لا اكثر ولا اقل كلنا في اليمن العظيم نعرف مقدار الصرفيات المالية التي يتم تبذيرها لتوفير متطلبات “الكيف والمزاج” خاصة من لدن كبار موظفي الدولة لشخوصهم وحمايتهم وبقية الحاشية … عشرات الملايين لو لم نقل مئات الملايين وهذا ليس سر نبوح به بل هي حقيقة مطلقة يعلمها القاصي والداني في اليمن وخارجها بل انها واحدة من منافذ استقطاب الجواسيس والعملاء المحليين وتجنيد المرتزقة.

ختاماً:
أود التنويه مقدماً انني كنت قد سطرت مقال معتبر عن “الموقع الألكتروني لمؤسسة دار بن حبتور” قبل ثلاثة أسابيع تقريباً، تناولت فيه الكثير من الجوانب عن دار بن حبتور” بما فيها الفكرة والنشأة والتأسيس بكثير من التفاصيل حتى ما يخص فريق العمل من الشباب المجتهد الذي ساهم في تألقها، ولم اكن اعلم بانني سأضطر كذلك لكتابة هذا المقال الذي يفترض به أن يكن احتفالي ايضاً لدواعي يوبيلية بمناسبة الذكرى العاشرة لتأسيس دار بن حبتور، وبحكم انني لست في شيء من “الذكاء الإصطناعي” ولا احب الاقتراب منه بالمطلق الأعم لإعتبارات كثيرة لا يتسع المجال للخوض في تفاصيلها، كما انني من الرافضين تكرار ذواتهم في الكتابة او في الاحاديث والنقاشات الجدلية الهادفة، فقد عمدت على اتخاذ منحى مختلف عنما سبق تناوله في مقال السابق متناولاً تفاصيل جديدة وشؤون أخرى لم اخطط لتسطيرها بل كانت بنت لحظتها بكل صدق وصراحة.

وتأسيساً على ما تقدم وعودة على بدء تجدر الإشارة الى الأهمية التي يُعول عليها دولة البروف / عزيز بن حبتور في عمل (الدار) حالياً وفي قادم الأيام بعون الله وتوفيق رضوانه، في ان تكن “مؤسسة دار بن حبتور الخيرية للعلوم والثقافة والتوثيق” الى جانب مهام عملها التنويري / التوثيقي، من خلال مساهمتها في حفظ وعرض موجوداتها المتواضعة من التراث وشذرات من ما تيسر التاريخ الحضاري اليمني، ان تكن كذلك حافظة لإرثه الفكري / المعرفي الذي قضى جُل عُمره الى اليوم في تسطير اسفاره من خلال “مجموعة اعماله الكاملة” التي تجاوزت الثلاثون مجلداً حتى اليوم …. ولا يفتنا ان نتضرع الله سبحانه وتعالى ان يمد في عمره ويمتعه بالصحة والعافية ليكملها لتباغ ما شاء الله لها من العدد كما ويعينه على صالح الأعمال و الطاعات التي يرضاها له ان سميع قدير وبالإجابة جدير.

مسك الختام:
كلي أمل في انني لم اكن مُمِلاً بكل ما سطرته من سرد وتفاصيل لربما احياناً شذت خارج السياق بغير ما قصد مني نتيجة لعدم التخطيط والتهيؤ لكتابة المقال كما سلف ان اخبرتك عزيزي القارئ … ولا انس بالمناسبة شكري وعظيم تقديري لفريق العمل القائم على إدارة مؤسسة دار بن حبتور من الشباب الرائع والمجتهد والذين أتوقع لهم مستقبلاً زاهراً في قادم الأيام بمشيئة الله وتوفيقه.

محمد الجوهري
جامعة عدن .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى