
تقديم كتاب المجاهد الطمبآله العولقي
بقلم دولة البروفيسور عبدالعزيز صالح بن حبتور
تقديم كتاب المجاهد الطمبآله العولقي
لقد مرّ عام تقريباً على وفاة فقيد اليمن العزيز المجاهد المناضل العم اللواء / علي الطمباله السالمي العولقي رحمة الله عليه وأسكنه فسيح جناته ، وحان موعد إصدار كتاب توثيقي رثائي عنه وعن نضالاته المُمتدة لأزيد من ستين عاماً ونيّف ، ويشمل هذا الكتاب على رثاءٍ لمجموعةٍ من أحباب الفقيد ورفاقه وإخوته وأنصاره الذين كتبوا انطباعاتهم الشخصية وذكرياتهم العامة والخاصة عنه ومعه ، وعن نضالاته الثورية والوطنية وعن مسيرته السياسية والأمنية طيلة زمان تأثيره وأثره في الحياة السياسية والأمنية والجهادية في الجمهورية اليمنية.
إن من تعرف على شخصيته الجادة والمثابرة والصبورة والصامتة ، يجد العديد من العِبر والدروس وهي لاشك بأنها تأثير تربية لمدرسة شبوانية بدوية عولقية متميزة ، ونتاج ثقافة عامة شائعة بين الأُسر المنتمية لمناطقنا شديدة الوعورة التضاريسية وتباعدها النسبي في التجمعات السكانية ، المصحوبة بطقس خاص بمناطقنا الجبلية شديدة الوعورة ، وقليلة الخصوبة لتربتها الصحراوية الجبلية.
امتلك الفقيد لخبرات سياسية واسعة ، مصحوبة بتجربة أمنية شديدة الذكاء ، لأنها بطبيعة الحال تجربة زمنية ممتدة من حرب التحرير الثورية للجبهة القومية ، وجبهة التحرير ضد المحتل البريطاني ، حينما كان في أحد خلاياها الفدائية السرية العسكرية ، حتى يوم دحر وطرد المحتل البريطاني في يوم الجلاء الـ 30 / نوفمبر / 1967 م ، مروراً بالتجربة الثورية في بناء مؤسسات الدولة الوطنية في زمن اليمن الديمقراطية ذات الطبيعة السياسية المتطرفة والنزعة ، مروراً بالصراعات السياسية والأمنية والعسكرية على السلطة في جنوب اليمن ، وحتى قيام دولة الوحدة اليمنية المباركة ، ومروراً بالارتداد العنيف عليها وبدء حرب الانفصال من قبل الجناح المتطرف في قيادة الحزب الاشتراكي اليمني يوم ذاك ، والمكلل بالنصر المظفر للدولة اليمنية الشرعية والانتصار لتثبيت الوحدة اليمنية في 7/ يوليو / 1994م .
في خضم كل تلك المنعطفات كان للفقيد / علي الطمباله دوراً كبيراً فيها ، فقد كان أحد القادة الأمنيين الذين نزلوا إلي الميدان لدحر الانفصال والانفصاليين ، وكان واحداً من قادة الجيش والأمن والدولة إلى جانب رفيقه المجاهد اللواء / عوض محمد فريد الطوسلي في النزول إلى جنوب اليمن ، وتحديداً لمحافظة شبوة ، لتثبيت دعائم الدولة اليمنية الوطنية الوحدوية بقيادة قائد الثورة اليمنية الحبيب / عبد الملك بن بدر الدين الحوثي حفظه الله ورعاه.
إن تجربة توثيق أعمال ومناقب وبطولات أي فقيد ترك هذه الدنيا الفانية هي تجربة جيدة ، لأن الأحياء من أصدقاء ورفاق ومحبين الفقيد يجمعون ما استطاعوا من وثائق وكتابات وانطباعات وقصائد عن المحتفي به ، وهو الفقيد الغائب الحاضر ، ويستطيع المخلصون للفقيد من جمع كل تلك المحاسن الموثقة لتصبح جزءاً من تاريخ الشخصيات والمنطقة وتاريخ الوطن بشكل عام في فترة نضال وعمل ونشاط الفقيد حتى لحظة الوداع الأخير لهذه الدنيا الفانية ، ولن يبقي له غير ما كتب عنه وما وثق الموثقون الموثوقون ، وهذه أهمية كتابة تاريخ وتوثيق ملاحمه ونضالاته وذكرياته واسهاماته في هذه الحياة ، من هنا ومن هذه الحيثية بالذات .
برزت أهمية الكتابة الشعبية عن تلك الشخصيات القيادية المؤثرة في حياة الشعوب والأمم للأسباب الآتية : ــــ
أولاً : أهمية تدوين سيرته ومسيرته العملية والكفاحية ودوره المهني والسياسي أثناء حياته.
ثانياً : أهمية أن يتعلم الأجيال من دروس نضاله وشخصيته وصفاته الوطنية والقيادية ، التي تكون في الغالب ملهمة للأجيال تتعلم منها قيم الوطنية والإنسانية والمهنية.
ثالثاً : أن يتم حفظ تلك الأنشطة الجهادية للفقيد ، وتوثيق كتاباته ، وانطباعاته ، وأعماله ، وأفكاره ، وحتى أشعاره ، كي لا تضيع وتطويه سنون الأزمان المُتعاقبة ، وكلٌ ينشغل بذاته ، من هنا حُفظ ودُوّن سِيَرُ الأولين كي لا ينسى الآخرين من الأجيال المتعاقبة.
رابعاً : حينما تُجمع كل تلك الكتب والمذكرات والانطباعات تتحول إلى مادة تاريخية ثرية لأهل الاختصاص ، وتتحول إلى مادة بحثية ينهل منها المؤرخون والمهتمون والأدباء والباحثين عن كنوز التاريخ ، وذوي الفكر ، وطلاب الدراسات العليا في الكليات والجامعات ، جميعهم يستفيدوا من تلك المواد التاريخية عن التاريخ والأشخاص والقادة والمناطق والأحداث المُتلاحقة للشعوب والمناطق والقبائل وحتى الأفراد.
خامساً : تهتم المؤسسات الأكاديمية والبحثية ومراكز التعليم اتخاذ من كل تلك الكتابات باعتبارها ثروة وطنية إنسانية تاريخية ، تتحول إلى ملك للأجيال المهتمة بمثل تلك الكتابات ، وعليه نقترح بأن يتم تأسيس مراكز توثيق تاريخية في محافظة شبوة ، وفي الجامعات الحكومية والأهلية والخاصة والمعاهد والمراكز التعليمية بمثل هذا النشاط العام ، فعملية التوثيق تحولت إلى صناعة الماضي للمستقبل ، هكذا هي تجارب الشعوب والأمم من قبلنا.
سادساً : سيحتفي الأحفاد بمناقب الأجداد في أنشطتهم السالفة وسيتعلمون منهم ، ومن خصالهم وصفاتهم القيادية والأخلاقية النوعية ، وستتحول هذه المواد المُوثقة إلى أشبه ( بأناجيلٍ مُقدسة ) تبثُّ روحها الفكرية والإنسانية والروحية للأجيال المُتعاقبة في تمثُلِ وتعلُم القيم والصفات والمُثل العُليا ، وهذا لعمري من أهم فوائد الكتابة والتوثيق.
سابعاً : في المحافظات الريفية اليمنية عموماً ومنها محافظة شبوة ، لا يتم الاهتمام بحفظ وتوثيق وصيانة الوثائق للأسف ، وبالتالي ربما بمثل هذه الكتابات التي بين أيدينا يتم حفظ اليسير منها ، يقول الحكماء [ بأن الحروف الأبجدية لأي لغة ولأي شعب من شعوب المعمورة هي أقوى من الخزائن الحديدية لحفظ تاريخ وتراث الشعوب والحضارات ] ، هل نستطيع نحن البدو أن نتعلم من حِكَمْ وتراث الحكماء كي نحفظ تاريخنا ؟
الله أعلم منا جميعاً ، لكننا مؤمنون جميعاً بأن ( التكرار يُعلِمُ الشُّطار) .
الخلاصة :
لقد عاش المجاهد العصامي البطل العم / علي الطمباله حياة كفاح وجهاد ونضال متواصل ، ولم تمر حِقبة واحدة من مراحل حياته ، إلا وبها حدث ما ، وحركة ثورية جهادية ما ، ونضال وكفاح متواصل طيلة حياته السياسية والمهنية لقرابة ستة عقود متواصلة ، إنها حياة جهاد من أجل أسرته ، وقبيلته ، ومحافظته شبوة ، ووطنه العظيم اليمن الشامخ ، فتحيةً له يوم كان رافع الهامة طيلة حياته الحرة الشريفة ، وسلام عليه يوم أسلم الروح لخالقها وهو أيضا رافع الهامة يصبو لأن تكون اليمن حرة أبية موحدة صاحبة لقرارها الذاتي الأبدي ، نسأل الله أن يتقبل فقيد اليمن ـ كل اليمن ـ بالرحمة والمغفرة ، وأن يجعل مثواه الجنة الواسعة ، وأن يُلهم كل الأحرار والإخوان والأصدقاء والرفاق الصبر والسلوان ، (إنا لله وإنا إليه راجعون).
(وفوق كل ذي علم عليم)
أ. د. عبدالعزيز صالح بن حبتور
صديق المرحوم العم علي الطمباله العولقي.
يوم الأحد : 15/ أكتوبر / 2023م