البروفيسور بن حبتورالمقالاتمكتبة القلم

رسالة عاجلة حول النتائج الهزيلة التي خرج بها منظمو مؤتمر نيويورك بشأن فلسطين

بقلم البروفيسور عبدالعزيز صالح بن حبتور - عضو المجلس السياسي الأعلى

مؤتمر نيويورك الخياني للقضية الفلسطينية ينعقد بعد قرابة 22 شهراً من القتال العنيف بين محور المقاومة الإسلامية والعربية، وبين محور الصهاينة من الإسرائيليين والأميركيين والأوروبيين والصهاينة العرب والمسلمين.

في لحظة فارقة من تاريخ الأمة، وبينما يخوض الشعب الفلسطيني ومحور المقاومة واحدة من أشد المعارك شراسةً وبأساً ضد المشروع الصهيوني الاستيطاني، انعقد في مدينة نيويورك، وتحديداً في مقر الأمم المتحدة، مؤتمر دولي بدعوة من المملكة العربية السعودية وجمهورية فرنسا، بحضور ممثلين عن عدد من الدول العربية والإسلامية والغربية، وذلك لبحث ما يُسمّى بـ”حل الدولتين” في أرض فلسطين التاريخية وعلى مدى ثلاثة أيام متتالية.

ناقش المؤتمرون هذا المقترح في تجاهل تام لواقع الدماء والتضحيات والمعاناة التي يعيشها الفلسطينيون يومياً، ولم تكن هذه المبادرة مجرد نقاش دبلوماسي، بل تمثل وثيقة خيانة موثقة في سجل الأمة، ما يدعو إلى رفع صرخة ضمير في وجه كل من وضع توقيعه على هذا المسار المنفصل عن حقيقة الميدان الثابت المقاوم والمنتصر.

فعلى مدى تاريخ 28، 29، 30 تموز/يوليو 2025، جرت أعمال المؤتمر أعلاه، الذي ترأسه وزيرا خارجية فرنسا والسعودية، وخرج ببيان أقل ما يقال عنه إنه بيان هزيل وتافه وعديم الفائدة والمعنى.

انعقد هذا المؤتمر في أوج صراع الأمة العربية والإسلامية، بقيادة المقاومة التي تمثلها: المقاومة الفلسطينية المسلحة، والجمهورية اليمنية من صنعاء (جيشاً وشعباً وقيادة ثورية)، والمقاومة الإسلامية اللبنانية، والمقاومة العراقية، والمقاومة الإيرانية (جمهورية إيران الإسلامية قيادةً وجيشاً وشعباً).

هذا المحور الإسلامي العربي المقاوم يقاتل ببسالة منقطعة النظير منذ بدء معركة “طوفان الأقصى” المباركة في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، وحتى لحظات انعقاد المؤتمر الخياني الهزيل للقضية الفلسطينية في تاريخ 28 تموز/يوليو 2025.

أي إن مؤتمر نيويورك الخياني للقضية الفلسطينية ينعقد بعد قرابة 22 شهراً من القتال العنيف بين محور المقاومة الإسلامية والعربية، وبين محور الصهاينة من الإسرائيليين والأميركيين والأوروبيين والصهاينة العرب والمسلمين. نعم، هي معركة غير متكافئة من الناحية العسكرية والأمنية والاستخبارية والمالية والاقتصادية، لكن القيادة والسيطرة والمقاتل في محور المقاومة وظّفوا كل الطاقات الإبداعية في هذه المنازلة التاريخية، وجعلوها لصالحهم، بغض النظر عن الخسائر البشرية والمادية واللوجستية، وهذا أمر طبيعي في جميع مراحل التاريخ الإنساني بأن القوى العسكرية المقاومة عادة ما تكون قدراتها وإمكاناتها العسكرية والمالية والمادية أقل بكثير من قوى الهيمنة والمحتلين الأجانب للأرض والجغرافيا والتضاريس، لكن تلك المعادلة غير المنصفة لا تعكس النتائج المحققة مطلقاً على مر التاريخ.

وللدلالة على ذلك نورد ما حدث من نتائج مبهرة في فيتنام، وأفغانستان، والعراق، والصومال، ولبنان، وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، والمقاومة في الجزائر، وجمهورية كوبا الاشتراكية.

وحينما نردد تلك الأمثلة المُبهرة والعظيمة للمقاومين الأحرار، إنما نرددها لتذكير من فسدت ذاكرتهم المعطوبة، وكذلك للقوى التي تفضل مبدأ الاستسلام والاستكانة والانهزام على مبدأ المقاومة لنيل الحرية والشرف والكرامة والاستقلال، ذلكم المبدأ الذي يقوم على مفهوم [شعب العلف على شعب السلف المناهض للظلم].

تخيلوا معي ولو للحظة واحدة أن يأتي مؤتمر نيويورك الصهيوني المشبوه بعد عقد سلسلة من المؤتمرات العربية والإسلامية الخيانية، وشعبنا الفلسطيني في قمة قتاله ومقاومته وعظمته وكبريائه، ودفع مقابل هذا الصمود ما يزيد على 60 ألف شهيد، نصفهم من الأطفال والنساء، وكذلك أزيد من 130 ألف جريح وجريحة، بأزيد من النصف من الأطفال والنساء، مع تدمير قرابة 65% من البنية التحتية والخدمات والمساكن في قطاع غزة، هذه الأثمان الباهظة مع تجويع وإفقار مليونين وثلاثمئة ألف مواطن فلسطيني غزي، محاصر من الغذاء والماء والدواء.

ومع ذلك، يأتي هذا المؤتمر الخياني كطعنة خنجر مسموم في ظهر الشعب الفلسطيني البطل المقاوم، وبيد من حضر وشارك وخطط ونفذ من العرب والمسلمين لمؤتمر نيويورك الصهيوني.

ألم يفكر هؤلاء الحكام العرب والمسلمين بأن فلسطين وقضيتها التاريخية هي أمانة دينية وأخلاقية وإنسانية وسياسية، ملزمة السداد والدفاع عنها كمسؤولية مطلقة عليهم، للأسباب والدواعي الاستراتيجية الآتية:

أولاً:

كيف يحق لهم أن يطالبوا محور المقاومة بتسليم أسلحته وعتاده، ولم يشيروا البتة إلى أن العدو الإسرائيلي لديه ترسانة عسكرية وأمنية يهدد بها العالم كله، ولا يهدد فقط العرب والمسلمين؟

ثانياً:

كيف سمح هؤلاء الحكام العرب والمسلمون لأنفسهم بأن يطالبوا بإخراج المقاومة الفلسطينية من أرضها، وهي تدافع عن حق الشعب الفلسطيني في التحرر المستمر لأكثر من 100 عام من الجهاد والنضال والكفاح والتضحية، من كابوس الاحتلال الإسرائيلي الصهيوني؟

ثالثاً:

كيف سمح هؤلاء الحكام العرب والمسلمون بأن يتآمروا ويخونوا أرواح ودماء الشهداء الفلسطينيين والعرب والمسلمين الذين روت قطرات دمائهم القضية الفلسطينية وأحيتها من جديد، وجعلوها قضية محورية وأساسية وإنسانية عالمية، في هذا العالم المنافق الكاذب، الذي تماهى مع الروايات السردية الكاذبة للحركة والإعلام الصهيوني من حول العالم؟

المصدر
الميادين نت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى