البروفيسور بن حبتوركتبوا عن البروفيسورمكتبة القلم

الدكتور ابن حبتور الشخصيه الفذه

الفريق الركن / جلال بن علي الرويشان- نائب رئيس الوزراء لشؤون الامن والدفاع في حكومه الإنقاذ الوطني للجمهوريه اليمنيه وزير الداخليه الأسبق و رئيس جهاز الأمن القومي الأسبق

 

لا يختلف اثنان على أنّ ثراء الأفكار، وإبداع العُقول مِن الأرزاق التي قال اللّه تعالى عنها: ” وَاللهُ فضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ”.. ولا ينكر عاقلٌ أنّ من الأفكَار والإبداع وغزارة المعارف ما هو مُكتسبٌ، ومنها ما هو فِطريّ يتعلّق بالموهبة والقدرات الذاتيّة.. وحين يجتمع الذاتي بالموضوعيّ، والموهبة بالتّجربة، والفطريّ بالمكتسب، والعلم بالعمل، والمعرفة بالحِكمة ..

تبرزُ لنا شخصيّة فذة، تترك أثرَها وآثارَها في القلوب والعقول، وترسُم لأجيال الحاضر والمُستقبل رأياً ورُؤية، تظلّ فاعلة ومُتفاعلة لعقودٍ بل لعصُورٍ.. والدكتور عبد العزيز صالح بن حبتُور، من تلك الشّخصيّات التي عاصرتِ الموهبة فيها التجربة، وامتزج فيها العلمُ والمعرفة، بالعمل والحِكمة.. فالبيئة التي نشأ فيها الدكتور ابنُ حبتُور، طفلاً، وغلاماً، وشاباً يافعاً، هي تلك البيئة التي كان قعرها، وأساسها المُجتمعَ البدويَّ العربيَّ الحُرَّ والمُنطلق، وكان طابعها العام التّدينَ في أبهى صُوره وملامحه الصُّوفيّة الزّاهدة المُعتدلة.. ثمّ نقلته تلك البيئة بالغة النقاء والصّفاء، إلى بيئة العمل الثوريّ، والاندماجِ في التّحوُّلات السّياسيّة، والفكريّة المتسارعة حيناً، والمتصارعة أحايينَ أخرى. . فعاصر تلك المُتغيرات، واعتصر تلك التّجاربَ والتّحوُّلات، دونَ أن يتخلّى عن قاعدته الأولى، وأرضيّته السّابقة، الُمُتمثلة في البَدوي الشّهم والعربيّ الأصيل، والصُّوفي الزّاهد.. وحافظ على تلك الصّفات والسّجايا، دون أن ينبهرَ، أو يصطدم بتلك التحوُّلات، والمُتغيّرات، والتجارب السّياسيّة.. وقد ساعده هذا التنوُّع في الظّروف التي أحاطتْ به في مسيرة حياته على الْمُواكبة بقدرةٍ فائقةٍ، والتأقلُم دون فقدان الاتجاه، فهو يعرف كيف ينسحبُ من المشهد الذي تكون فيه الصّورة ضبابيّة، ويعرف متى يعود إذا استدعى الواجبُ الدّينيّ والوطنيُّ، والأخلاقيُّ عودته.. ينسحب ليثبتَ أنَّه أكثرُ ثباتاً، ويعود ليؤكّدَ أنَّه أكثرُ ديناميكيّة. . يُسامح، ويبتسم، ويدع الأمُورَ تمرّ حتى يكتشف الآخرون أنّه كان على حق..

هو يعرفُ كيف ينسحبُ من المشهد الذي تكونُ
فيه الصّورةُ ضبابيّة، ويعرفُ متى يعودُ إذا
استدعى الواجبُ الدّينيّ والوطنيّ والأخلاقيّ عودته

كانتْ أطولُ فترات عمله، وأكثرها انسجاماً مع شخصيّته – على ما يبدو – هي العملَ في سلك التربية والتّعليم، والتّعليم العالي، وللمُعلم، والأستاذ، والمدرس شخصيّة تختلف عن غيرها من الشّخصيّات، فالمعلم يتعامل مع العقول، ويبحث في خفايا النفس البشريّة، ويخوض أعمقَ التّجارب وأصعبها في عمليّات الاتصال والتّواصل التّعليميّ.. وحين انتقلَ إلى العمل السّياسيّ، والقياديّ، والإداريّ كمُحافظ، ورئيس وزراء ظلّتْ صفات المعلم، ورغبته في تكوين العقول، ورسم طريق المُستقبل، ماثلة أمامَ عينيه، يُؤديها بفعاليّةٍ واقتدار.

يقف خطيباً فتتسارع الكلماتُ إلى لسانه، وكأنّه يغرف من بحرٍ لا قرارَ له.. يرى أنّ كلّ ما في الحياة ليس مُطلقاً .. يُؤمن بالاختلاف، ويستوعب جميعَ الأطياف.. يصبر ويستمرّ.. وفي النهاية ينتصر.. يفرض وجودَه كالماء، لا يمكنُ أن تستغنيَ عنه، ولا يمكنك الإمساكُ به بين أصابعك.. حرص – وهو يسيرُ في خضمّ الحياة – أن يكتبَ أفكارَه، ويسجّل مُشاهداته، ويُدوّن شهاداته، ويصدرها في موسُوعةٍ مُتكاملةٍ.. على أمل أن تكونَ تلك الشواهدُ والشّهاداتُ بانوراما، وصيرورة لحركة التّاريخ، والجُغرافيا، والمجتمع التي خاضِ غِمارَها الدكتور عبدالعزيز بن حبتُور في مراحل حياته الُمُختلفة.. ولكي يكونَ حديثي عنه مُنصفاً، وبعيداً عن المُجاملة، والإطراء والتزلّف.. هاهي أفكارُه بين أيديكم، وهاهي كتبه وأسفارُه في مُتناول مَن يرغب في الاستزادة من تجارب الرَّجال، ودروس التاريخ..

واللهُ من وراء القصد، وهو الهادي إلى سَواء السّبيل

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى